في تطور لافت على مسار التفاهمات الهشّة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، رُصدت صباح الثلاثاء طائرة خاصة تابعة لجهاز المخابرات العامة المصرية وهي تهبط في مطار بن غوريون بتل أبيب، بعد إقلاعها من القاهرة. ووفق ما أوردته هيئة البث الإسرائيلية، فإن الطائرة هي نفسها التي استخدمها رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد في جولات التفاوض السابقة الخاصة بملف الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.
زيارة مفاجئة في توقيت دقيق
تؤكد مصادر مصرية وإسرائيلية متطابقة أن الزيارة لم تكن مدرجة على جدول اللقاءات المعلنة، وجاءت بطلب مشترك من الجانبين المصري والأمريكي، في ظل مؤشرات على هشاشة الهدنة الأخيرة في القطاع.
وأفادت قناة "إكسترا نيوز" المصرية أن اللواء رشاد يعقد في القدس اجتماعات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، تتصدرها مسألة تثبيت وقف إطلاق النار ومنع انهيار التفاهمات التي تم التوصل إليها مؤخرًا بوساطة مصرية – قطرية – أمريكية.
لقاء نتنياهو: رسائل ما بين السطور
نشر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منصة "إكس" بيانًا مقتضبًا أشار فيه إلى لقائه باللواء رشاد، موضحًا أن اللقاء تناول "سبل تعزيز خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب" إلى جانب بحث ملفات التعاون الثنائي و"السلام الإقليمي".
غير أن صياغة البيان الإسرائيلي، بحسب مراقبين، تُخفي رسائل مزدوجة: فمن جهة، يُظهر نتنياهو استمرار التنسيق الأمني مع القاهرة؛ ومن جهة أخرى، يحاول ربط المسار المصري بالخطة الأمريكية الجديدة، التي تواجه انتقادات فلسطينية واسعة بوصفها إعادة تدوير لصفقة القرن بصياغة ميدانية.
مصر في قلب المبادرة الأمريكية
منذ أسابيع، برزت القاهرة كلاعب رئيسي في تنفيذ بنود المبادرة الأمريكية التي طرحها ترامب في مؤتمر شرم الشيخ الأخير، وتشمل:
إنشاء قوة دولية لفصل الأطراف داخل قطاع غزة.
تقديم مساعدات إنسانية عاجلة عبر معبر رفح.
إطلاق خطة لإعادة الإعمار تحت إشراف دولي.
وتُظهر التحركات المصرية الأخيرة رغبة واضحة في إبقاء الملف الفلسطيني تحت إشرافها المباشر، وتفادي أي محاولة إسرائيلية لتهميش دورها في الميدان أو نقل مركز الوساطة إلى أطراف أخرى مثل واشنطن أو الدوحة.
فانس في إسرائيل.. ضغوط أمريكية على نتنياهو
بالتوازي مع زيارة الوفد المصري، وصل إلى تل أبيب نائب الرئيس الأمريكي فانس برفقة المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ومستشار الرئيس جاريد كوشنر، في جولة ميدانية وُصفت بأنها الأهم منذ إعلان الهدنة.
ووفق مصادر عبرية، فإن الوفد الأمريكي سيعقد اجتماعات في مقر القيادة الجديدة قرب "كريات جات"، التي أُنشئت حديثًا لتنسيق تنفيذ خطة ترامب، بما في ذلك نزع سلاح حماس وتشكيل هيئة مدنية جديدة لإدارة القطاع.
وتؤكد صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة ترامب تخشى من تراجع نتنياهو عن التفاهمات الأخيرة، وتعمل على منع عودة المواجهة العسكرية بأي ثمن، وهو ما يجعل الزيارة المصرية بمثابة دعم ميداني للموقف الأمريكي في مواجهة تردد تل أبيب.
الزيارة الجوية بدلًا من الميدانية
وبحسب التسريبات، سيكتفي فانس بمتابعة الوضع الميداني في غزة عبر طائرة مسيّرة تبث له صورًا مباشرة، بعد رفض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ترتيبات دخول ميداني خشية المخاطر.
ويُفهم من هذا الإجراء أن الوضع الأمني في القطاع ما زال هشًّا، وأن "التهدئة" القائمة لا تتجاوز كونها وقفًا مؤقتًا للعمليات في انتظار تثبيت شامل برعاية مصرية – أمريكية.
القاهرة تثبّت حضورها
تعمل الأجهزة المصرية في هذه المرحلة على ثلاثة مسارات متزامنة:
1. ضبط الميدان ومتابعة الخروقات عبر قنوات اتصال مباشرة مع الفصائل وإسرائيل.
2. تأمين الممرات الإنسانية ورفع وتيرة دخول المساعدات من معبر رفح.
3. الضغط السياسي على حماس لتنفيذ التزاماتها بشأن ملف الرهائن وإعادة الانتشار الأمني في شمال القطاع.
ويؤكد دبلوماسيون عرب أن القاهرة، برغم الضغوط، لا تزال تُمسك بخيوط الوساطة بفضل مزيج من النفوذ الأمني والثقة الإقليمية، ما يجعلها الطرف الوحيد القادر على التوفيق بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية والفلسطينية.
الدبلوماسية الهادئة المصرية
منذ اندلاع الحرب على غزة، اعتمدت القاهرة سياسة الدبلوماسية الصامتة، متجنبة التصريحات العلنية، مقابل تحرّكات استخباراتية دقيقة تنسّق مباشرة مع العواصم المعنية.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن مصر تسعى ليس فقط لتثبيت الهدنة، بل أيضًا لضمان مقعدها على طاولة إعادة تشكيل غزة، وسط تنافس إقليمي على من يدير "اليوم التالي للحرب".