رغم مرور شهور على توقف القتال، ما تزال غزة تعيش فصلاً جديداً من المأساة، فالدفاع المدني يؤكد أن نحو عشرة آلاف شهيد ما زالوا تحت أنقاض المنازل المدمرة في مختلف مناطق القطاع، هذا الرقم لا يمثل مجرد إحصاء، بل يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب، إذ إن آلاف العائلات لم تتلق بعد إجابات عن مصير أحبائها، ولا تزال تنتظر انتشالهم لوداعٍ متأخر.
تقديرات الدفاع المدني تشير إلى أن مدينة غزة وحدها تحتضن قرابة أربعة آلاف جثمان، إضافة إلى مئات آخرين في شمال القطاع ووسطه وجنوبه وتعقّد عملية الانتشال بسبب غياب المعدات الثقيلة وانعدام الوقود، إلى جانب استمرار انهيار البنية التحتية التي تجعل من كل محاولة حفر مخاطرة جديدة.
فرق الإنقاذ تواجه واقعاً يفوق قدراتها، فالمعدات البسيطة لا تسمح بالوصول إلى عمق الركام الذي تراكم فوقه آلاف الأطنان من الخرسانة والحديد، في المقابل، لا يلوح أي دعم دولي ملموس لتمكين الدفاع المدني من استئناف عمليات البحث، رغم المناشدات المتكررة التي تطلقها الجهات المحلية.
هذه الأرقام تكشف عن مأزق إنساني مزدوج: جثث محتجزة تحت الركام، وناجون محاصرون بعجز العالم.
فوقف إطلاق النار لم يغير من معاناة الغزيين شيئاً، إذ بقيت المدينة معلقة بين حرب انتهت على الورق وكارثة ما زالت ماثلة في الواقع.
ويصف مراقبون هذا الوضع بأنه “دفن بطيء” لجيل كامل، إذ إن التأخر في انتشال الضحايا يهدد أيضاً بانتشار أمراض وتلوث بيئي، في وقت تنهار فيه المنظومة الصحية والخدمات الأساسية كما تتضاعف المعاناة النفسية للأسر التي لم تحصل بعد على يقين بفقدان أحبائها.
بين الركام الصامت والنداءات المستمرة، تبدو مأساة غزة أبعد من نهاية الحرب إنها معركة بقاءٍ للذاكرة والكرامة، في انتظار أن يتحرك العالم لا لوقف القتال فقط، بل لإخراج الشهداء من تحت الحجارة، ومنحهم حقهم الأخير في الحياة بعد الموت.