تتجه الأنظار مجدداً إلى معبر رفح الحدودي، الذي تحوّل إلى ساحة مواجهة دبلوماسية صامتة بين القاهرة وتل أبيب، في وقت تسعى فيه مصر إلى تثبيت دورها المحوري في إعادة إعمار قطاع غزة، وقيادة مسار التهدئة الإقليمي، وسط ضغوط أمريكية وقيود إسرائيلية متواصلة.
وكشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن “معركة دبلوماسية عنيفة” تدور بين الجانبين، عنوانها الأبرز رغبة القاهرة في فتح معبر رفح بشكل دائم واستئناف دوره الإنساني والتجاري كمنفذ رئيسي للقطاع المحاصر، مقابل تحفظ إسرائيلي على أي ترتيبات تُضعف سيطرته الأمنية.
شروط مصر ومحددات الدور الإسرائيلي
ووفق التقرير، تربط مصر مشاركتها النشطة في مساعي التهدئة بـ الامتثال الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، إلى جانب التزام إسرائيل بعدم استئناف عملياتها العسكرية في غزة. وتشير تقديرات مصرية إلى احتمال إعادة تشغيل المعبر جزئياً خلال الأيام المقبلة، في خطوة اختبارية تمهد لتفاهم أوسع.
وفي الوقت الذي تسعى فيه القاهرة لتفعيل قنوات الاتصال السياسي مع تل أبيب، رحّبت الرئاسة المصرية خلال قمة شرم الشيخ الأخيرة بتجديد الاتصال المباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مؤشر على رغبة مصرية في تحريك الجمود القائم، وإن ضمن حدود مدروسة.
لكن معاريف تؤكد أن هذا التقارب لن يفضي إلى اختراق سياسي قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، إذ تعتبر أن حكومة نتنياهو “عاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية” تتعلق بمستقبل الوضع الدائم في غزة أو بمسار “حل الدولتين” الذي يلقى تأييداً مصرياً مشروطاً.
تنسيق أمني متواصل رغم التوتر
مصادر أمنية مصرية أبلغت الطرفين الأمريكي والإسرائيلي أن تسليح حماس يمثل “تهديداً حقيقياً لكلا الجانبين”، ما يبرر – من وجهة نظر القاهرة – ضرورة استمرار التنسيق الأمني والعسكري لضبط الحدود ومنع تهريب الأسلحة إلى القطاع.
وعلى الرغم من الحرب التي استمرت عامين، لم تتأثر قنوات التجارة بين مصر وإسرائيل بشكل واسع، غير أن مشاريع التعاون الاقتصادي المخطط لها بين شركات حكومية مصرية ومسؤولين إسرائيليين تم تأجيلها “لأسباب سياسية”، في انتظار استقرار المشهد الإقليمي ووضوح المسار السياسي.
رهانات القاهرة الإقليمية
بالتوازي مع اتصالاتها الرسمية، تحتفظ القاهرة بقنوات تواصل غير رسمية مع شخصيات إسرائيلية من المعارضة، إدراكاً منها لاحتمال تغير الخريطة السياسية في تل أبيب قريباً. وتُراهن مصر على أن حكومة إسرائيلية أكثر اعتدالاً قد تفتح الباب لتعاون إقليمي واسع يشمل تركيا وقطر، في إطار تصور مصري لمبادرة شاملة لإعادة إعمار غزة واستعادة الاستقرار.
ولا تستبعد القاهرة سيناريوً آخر يتمثل في أن يبادر نتنياهو نفسه – حال تمكنه من البقاء في الحكم – إلى طرح مبادرة سياسية تتقاطع مع الرؤية المصرية وتؤسس لمرحلة تهدئة طويلة الأمد.
استقرار غزة مفتاح النفوذ
في المحصلة، تبدو المعركة الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل أكثر من مجرد خلاف حول معبر حدودي. إنها صراع نفوذ واستراتيجيات متشابكة تتجاوز غزة لتطال موازين القوى في شرق المتوسط. وبينما تسعى القاهرة لترسيخ موقعها كوسيط لا غنى عنه، تصر تل أبيب على ضبط إيقاع أي تسوية بما يخدم أمنها الداخلي.
ويبقى الهدف المصري الأوضح هو استعادة الاستقرار ومنع تجدد التصعيد، وتهيئة الأرضية لعودة تدريجية للحياة المدنية والاقتصادية، بما يعيد غزة إلى المشهد العربي تحت المظلة المصرية.