لبنان في مواجهة الفساد: هل تنجح الإصلاحات؟

2025.10.18 - 04:10
Facebook Share
طباعة

تتصاعد النقاشات في لبنان حول الجرائم المالية التي تنهش الاقتصاد وتعمّق أزماته المتراكمة، حيث تتجاوز كلفة الفساد 3 مليارات دولار سنوياً، ما يضع البلاد بين الدول الأعلى عالميًا من حيث الكلفة الفردية للفساد.
المفارقة لا تكمن في غياب القوانين، بل في غياب القرار السياسي بتطبيقها فالتشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد وتبييض الأموال والسرية المصرفية تم تعديلها وأصبحت متقدمة من حيث المضمون، إلا أنها بقيت معلّقة دون آلية تنفيذ فعّالة أو هيئات قضائية متخصّصة.

نظام متجذر يصعب تفكيكه:

تعمّق الفساد في الإدارات اللبنانية إلى درجة أصبح معها جزءًا من النظام العام للدولة فالمعاملات الرسمية، من العقارية إلى البلديات، تمرّ غالبًا عبر مسارات معقدة تتيح فرصًا للرشوة أو الابتزاز، ما جعل الفساد عنصرًا شبه مؤسسي، هذا الواقع انعكس في المؤشرات الدولية، حيث تراجع لبنان إلى المراتب الأخيرة في الشفافية، بعلامة متدنية على مؤشر مدركات الفساد لعام 2024 بلغت 22 من 100.

أثر اقتصادي مباشر:

تقديرات اقتصادية تشير إلى أن الجرائم المالية تشكّل ما يقارب 8% من الناتج المحلي، وهي نسبة تعادل خسائر ضخمة تُهدر سنويًا كان يمكن أن تُترجم إلى فرص عمل واستثمارات إنتاجية، كما أن الفساد المستشري ساهم في هروب الرساميل وتعميق أزمة الثقة بين المواطن والنظام المالي والمصرفي، ما أضعف قدرة لبنان على جذب التمويل الخارجي أو المساعدات الدولية.

الخلل في التنفيذ:

يرى خبراء اقتصاديون أن جوهر المشكلة ليس في النصوص القانونية بل في غياب الإرادة التنفيذية فلبنان يمتلك قوانين تضاهي الأنظمة المالية المتقدمة، لكن غياب اللجان التنظيمية والمحاكم المتخصصة جعلها بلا أثر فعلي.
كذلك لم تُفعّل آليات الرقابة على المؤسسات المالية والمصارف، ما سمح باستمرار ممارسات غير قانونية ساهمت في تفاقم الانهيار المالي منذ 2019.

إصلاحات تقنية بلا إصلاح سياسي:

في موازاة ذلك، تحاول الأجهزة الأمنية والهيئات الرقابية استحداث وحدات جديدة لمكافحة الجرائم المالية وتطوير أدوات رقمية لرصد المخالفات الإلكترونية، خصوصًا بعد إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي «فاتف». ورغم أهمية تلك الخطوات التقنية، إلا أن غياب التنسيق بين المؤسسات المعنية يجعلها محدودة الأثر.

الطريق إلى الخروج:

يبقى الطريق نحو التعافي مرهونًا بقرار سياسي يضع النزاهة أولوية وطنية، الإصلاح الحقيقي يبدأ عندما يصبح الفساد غير مربح، وتتحول القوانين من نصوص إلى أفعال، والرقابة من شعارات إلى أدوات محاسبة.
دون ذلك، سيبقى لبنان يدور في حلقة مغلقة بين تشريعات متقدمة وواقع يلتهمه الفساد عامًا بعد عام. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6