إسرائيل بعد الحرب: مجتمع يترنّح تحت وطأة الإدمان الجماعي"

الصدمة النفسية لحرب غزة تتحوّل إلى أزمة اجتماعية شاملة

2025.10.18 - 03:45
Facebook Share
طباعة

بينما تُحاول إسرائيل طيّ صفحة حربها الدموية على غزة التي استمرت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتكشف أمام الرأي العام الإسرائيلي ملامح أزمة داخلية عميقة لا تقل خطورة عن خسائر الميدان. فبحسب تقرير رسمي صادر عن المركز الإسرائيلي للإدمان والصحة النفسية (ICA)، يشهد المجتمع الإسرائيلي ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات الإدمان على الكحول والعقاقير والمخدرات، حتى بات واحد من كل أربعة إسرائيليين ضمن دائرة الخطر.

من الصدمة إلى الاعتياد المرضي

التقرير، الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، يرسم مشهدًا قاتمًا لمجتمع يعيش حالة "إدمان جماعي" غير مسبوقة، كأحد إفرازات الصدمة الجمعية التي خلّفتها الحرب. فقد دفعت مشاهد العنف والخسائر البشرية والتوتر المستمر شرائح واسعة من الإسرائيليين إلى اللجوء إلى المسكنات والمهدئات والكحول لتخفيف الضغط النفسي، قبل أن تتحول هذه الوسائل المؤقتة إلى عادات متجذّرة يصعب التخلص منها.

تقول روني روكاح، مديرة المنظومة العلاجية في المركز: "من زاد استخدامه للمواد المسببة للإدمان أثناء الحرب سيجد الآن صعوبة أكبر في تغيير عاداته... لا يمكن علاج الصدمة دون علاج الإدمان، فالفصل بينهما خطأ قاتل".

 

ووفقًا للتقرير، يستخدم 26.6% من الإسرائيليين مواد مسببة للإدمان بمستوى خطر مرتفع، فيما تضاعف استهلاك المواد الأفيونية، وارتفع استخدام المهدئات والمنومات بمعدل 2.5 ضعف، وسجّلت المواد المنبّهة ارتفاعًا مشابهًا.

الجنود والشباب في صدارة الخطر

الفئات الأكثر تأثرًا – بحسب التقرير – هي الشباب بين 18 و26 عامًا والجنود النظاميون والاحتياطيون.
فواحد من كل ثلاثة جنود يعاني استخدامًا خطِرًا للمواد المسببة للإدمان، بينما ارتفع استهلاك الكحول بين الأزواج والزوجات بنسبة 170%، والحشيش بنسبة 180%، والمواد الأفيونية بنسبة 250%.

ويعزو الخبراء هذه الأرقام إلى تتابع الأزمات التي عاشها الجيل الإسرائيلي الشاب: كورونا، ثم الحرب، ثم الانقسام السياسي والاجتماعي الداخلي.

روكاح تشير إلى أن هؤلاء الشباب “يحاولون استعادة حياتهم الطبيعية بعد الحرب، لكنهم يجدون أنفسهم في دوامة من القلق والفراغ والاعتياد على المهدئات”، محذّرة من أن هذه الفئة هي “من سيقود مستقبل إسرائيل، ما يجعل الأزمة الاجتماعية ذات أبعاد استراتيجية”.

برامج إسعاف عاجلة

في مواجهة هذا الانهيار المتصاعد، أطلق المركز برنامجًا وطنيًا بعنوان "طريق آخر" لمعالجة الصدمة النفسية والإدمان بشكل متكامل، مستهدفًا آلاف الإسرائيليين حتى منتصف 2026.
ويشمل البرنامج تدريب الطواقم الطبية والنفسية، وحملات توعية في المدارس والبلديات، إضافة إلى افتتاح عيادات متخصصة أبرزها مركز "نتع" لعلاج إدمان المراهقين.

حتى الآن، شارك أكثر من 283 ألف طالب في برامج الوقاية، و21 ألف متخصص في برامج تدريبية بالعلاج النفسي والإدمان.
لكن خبراء المركز يحذرون من أن هذه الجهود لا تكفي دون تجنيد حكومي ومجتمعي شامل، لأن "الخراب النفسي" الناتج عن الحرب لا يمكن ترميمه بالعلاجات الفردية وحدها.

حرب انتهت... لكن آثارها لم تنتهِ

يخلص التقرير إلى أن إسرائيل ربما أوقفت قصف غزة، لكنها لم توقف انهيارها الداخلي. فبينما تواصل الحكومة التفاخر بـ"النصر العسكري"، يخوض المجتمع الإسرائيلي معركة صامتة ضد القلق، الانهيار النفسي، والإدمان المتفشي.

لقد تحولت القنابل التي أسقطتها إسرائيل على غزة إلى شظايا ارتدت داخلها، لتصيب نسيجها الاجتماعي وتكشف هشاشة داخلية غير مسبوقة.
ومع مرور عامين على الحرب، يبدو أن الخطر الأكبر لم يعد يأتي من الخارج، بل من داخل النفوس الإسرائيلية ذاتها.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 1