نيويورك تايمز: هكذا انهار نظام الأسد وفرّ رجاله تحت جنح الظلام

2025.10.17 - 05:34
Facebook Share
طباعة

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في تحقيق استقصائي مطوّل نُشر منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2025، تفاصيل صادمة عن اللحظات الأخيرة لانهيار نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وكيف غادر هو ومجموعة من كبار رجاله البلاد سرًّا، تحت حماية روسية مباشرة، بعد أن كان يوصف واحدًا من أكثر الأنظمة قمعًا في الشرق الأوسط.

وبحسب الصحيفة، فإن ليل الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 مثّل نقطة الانفجار الداخلي للنظام، حين تحوّل القصر الجمهوري في دمشق إلى ساحة فراغ سياسي وأمني، وتبدّد الولاء في دقائق معدودة. في تلك الليلة الباردة، حمل كبار الضباط حقائب مليئة بالنقود والمجوهرات، واتجهوا نحو المطار العسكري، بحثًا عن مخرج أخير قبل سقوط العاصمة بيد فصائل المعارضة.

 


الليلة التي اختفى فيها الأسد

يقول التحقيق إن مصدرين من داخل النظام وثالثًا كان ضمن موكب الهروب، أكدوا أن الأسد غادر دمشق سرًا في موكب روسي نحو قاعدة حميميم الساحلية، ترافقه أسرته ومستشاران ماليان، بينما ترك كبار معاونيه في القصر ينتظرون أوامر لم تأتِ أبدًا.

وحين شاع خبر الفرار، عمّ الذعر داخل القيادة العسكرية والأمنية. اتصالات متوترة، سيارات فارهة تتجه إلى الساحل، ضباط يخلعون بزّاتهم، وسفراء روس يشرفون على رحلات إجلاء عاجلة من مطار المزة العسكري.

ومن بين من رصدهم التحقيق أثناء الفرار:

قحطان خليل، مدير المخابرات الجوية، المتهم بارتكاب مجازر في الغوطة وحمص.

علي عباس وعلي أيوب، وزيرا الدفاع السابقان.

عبد الكريم إبراهيم، رئيس هيئة الأركان، المتهم بتسهيل عمليات التعذيب الممنهجة.


بحسب الصحيفة، انتقل هؤلاء مع عشرات غيرهم إلى الساحل السوري، حيث تولّت القوات الروسية تأمين نقلهم إلى موسكو أو إلى فيلات محصنة قرب اللاذقية وطرطوس.

 


الدور الروسي: من حماية النظام إلى تهريبه

فيما بدت روسيا لسنوات حليفًا ثابتًا للأسد، يوضح تحقيق نيويورك تايمز أن موسكو تولّت في النهاية مهمة إنقاذ الرموز لا النظام.
فقد رصدت الأقمار الصناعية طائرة روسية من طراز ياك–40 تقلع من دمشق في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل متجهة إلى حميميم، قبل أن تبدأ رحلات إجلاء متتالية لكبار الشخصيات.

شهود عيان تحدثوا عن فوضى غير مسبوقة داخل القاعدة الروسية: ضباط سوريون يرمون بزّاتهم، مسؤولون يحملون حقائب من الذهب، ومستشارون روس يوزّعون قوائم الرحلات إلى موسكو.
وبذلك تحوّلت العلاقة بين موسكو ودمشق من "حماية النظام" إلى إدارة انهياره وإنقاذ وجوهه.

 


أوراق مزورة وجوازات ذهبية

تفصيل آخر مثير كشفه التحقيق: أن عدداً من المسؤولين الهاربين حصلوا على جوازات سفر سورية حقيقية بأسماء مزوّرة، قبل سقوط النظام بأسابيع، واستخدموها لاحقًا للحصول على جنسيات استثمارية في جزر الكاريبي.
بهذه الطريقة، استطاعوا إعادة بناء هويات جديدة، بعيدًا عن قوائم العقوبات الأوروبية والأميركية.

يقول مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في باريس، للصحيفة:

> "لقد اشتروا أسماء جديدة، وهكذا أفلتوا من العدالة. المال والعلاقات مكّنتهم من النجاة كأنهم لم يكونوا جزءًا من آلة القتل."

 

 


سقوط مؤسسات الخوف

ومع تسارع الانهيار، بقي الآلاف من عناصر المخابرات العامة في مقارّهم، يظنون أن رؤساءهم ما زالوا في مواقعهم.
لكن مديرهم حسام لوقا، أحد أكثر الشخصيات دموية في تاريخ النظام، كان قد فرّ هو الآخر بعد أن استولى على 1.36 مليون دولار من خزينة الجهاز، وفق التحقيق، ويُعتقد أنه وصل لاحقًا إلى روسيا.

أما كمال الحسن، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، فقد أُصيب أثناء محاولته الفرار، قبل أن تُهرّبه السفارة الروسية إلى الخارج، حيث انضم إلى علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي الملقب بـ"الصندوق الأسود"، والذي ظل حتى اللحظة الأخيرة يدير شبكة واسعة من السجون السرّية.

 


ما بعد دمشق: حياة الرفاهية في المنفى

تتبع مراسلو نيويورك تايمز على مدار أشهر 55 من كبار المسؤولين السابقين في حكومة الأسد. ووفق نتائج التحقيق، يقيم معظمهم اليوم بين روسيا ولبنان وإيران، أو في مدن أوروبية تحت هويات مزورة.
الأسد نفسه يعيش في عزلة داخل روسيا، بعيدًا حتى عن شقيقه ماهر الذي يتنقل بين موسكو وبطرسبورغ.

أما جمال يونس والعميد غياث دلا، فقد ظهر اسماهما في لبنان، حيث يُعتقد أنهما يديران نشاطات مالية وأمنية لصالح بقايا النظام.
بينما لا يزال العالم عمر الأرمنازي، رئيس برنامج الأسلحة الكيماوية، يعيش في دمشق "بهدوء ورفاهية"، دون أن يمسه أحد.

 


العدالة الغائبة

ورغم تزايد الجهود الأوروبية والأممية لجمع الأدلة على جرائم النظام، إلا أن التحقيق يخلص إلى أن مسار العدالة لا يزال بطيئًا ومجزأً.
فمنذ تشكيل الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع مطلع 2025، لم تُسجَّل أي ملاحقات جدّية بحق رموز النظام السابق، ما يعزز الشكوك حول إرادة حقيقية في محاسبتهم.

وترى الصحيفة أن الانقسام الدولي حول الملف السوري –خصوصًا بين روسيا والغرب– جعل فكرة إنشاء محكمة دولية لمحاكمة رموز النظام "أقرب إلى المستحيل"، رغم حجم الجرائم الموثقة.

 


حين يفرّ الجناة وتبقى الضحايا

تختم نيويورك تايمز تحقيقها بمشهد رمزي عميق: صور المفقودين والمعتقلين المعلّقة في ساحة المرجة بدمشق، بينما أولئك الذين أمروا بتعذيبهم أو قتلهم يعيشون اليوم على الشواطئ الروسية.
"لقد تحوّلت سوريا إلى مسرح جريمة فرّ منه الجناة جماعيًا"، تقول الصحيفة، مضيفة أن العدالة لا تزال بعيدة المنال، بينما الضحايا يواصلون الانتظار وسط صمت العالم.

 

ذاكرة لا تُمحى

تؤكد نيويورك تايمز في ختام تحقيقها أن العدالة، وإن تأخرت، "لن تُدفن".
أما السوريون، الذين فقدوا بيوتهم وأحبتهم، فما زالوا يواجهون الحقيقة المرة: أن النظام الذي أفنى أعمارهم سقط، لكنهم لم يروا بعد انتصارهم.
وكما تقول الصحيفة:"كبار رجال الأسد يعيشون حياة الترف، ويسبقون ملاحقيهم بخطوة... أما العدالة، فلا تزال بعيدة المنال."
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 3