في الوقت الذي يسعى فيه الوسطاء لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى عامين من الحرب المدمّرة في غزة، حثّت حركة حماس، الجمعة، الأطراف الضامنة على متابعة تنفيذ البنود المتبقية من الاتفاق، مؤكدة التزامها الكامل بما تم التوصل إليه، ومحملة إسرائيل مسؤولية أي تأخير أو عرقلة.
مناورة الحسم أو الانهيار
البيان الأخير للحركة جاء في لحظة دقيقة، مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية باستئناف الهجوم إذا لم تُسلَّم جميع رفات الرهائن خلال المهلة المحددة.
لكن «حماس» ردّت بإيضاح أن بعض الجثث ما تزال تحت أنقاض الأنفاق والمباني التي دمرها القصف الإسرائيلي، وأن استخراجها يتطلب معدات ثقيلة ممنوع دخولها إلى القطاع بفعل الحصار، في إشارة واضحة إلى أن العرقلة ليست من جانبها بل من الجانب الإسرائيلي.
بهذه اللغة، وضعت الحركة الوسطاء أمام مسؤولياتهم المباشرة، داعية إلى تشكيل لجنة دعم مجتمعي لبدء العمل في إدارة القطاع، ضمن بنود الاتفاق الذي رعته واشنطن وشاركت فيه القاهرة والدوحة وأنقرة.
ضغوط أميركية وإسرائيلية
التحذير الأشد جاء من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي لوّح بـ«الضوء الأخضر» لاستئناف الحرب إذا لم تُستكمل عملية تسليم الجثامين.
في المقابل، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن تل أبيب «لن تتهاون» في حال الإخلال بالاتفاق، متوعداً بإعادة العمليات العسكرية لـ«تحقيق كامل أهداف الحرب».
هذه اللغة التصعيدية تعكس هشاشة التفاهمات القائمة، وتكشف أن الاتفاق لا يزال يعيش مرحلة اختبار ميداني وسياسي صعب.
الوسطاء بين ضغطين
تتحرك تركيا بإرسال فريق من المختصين للمساعدة في عمليات البحث، فيما تواصل مصر وقطر اتصالات مكثفة لمنع انهيار التهدئة.
مصادر دبلوماسية مطلعة قالت لوكالة أنباء آسيا إن «الملف الإنساني بات الورقة الأثقل في أيدي الوسطاء، وأن إدخال المعدات اللازمة لرفع الأنقاض أصبح شرطاً لا يمكن تجاوزه لإنجاح الاتفاق».
وتشير هذه المصادر إلى أن أي تأخير إضافي سيؤدي إلى تجميد مراحل تنفيذ البنود المتعلقة بإعادة الإعمار وفتح المعابر.
القطاع المنهك
على الأرض، ما يزال الوضع الإنساني في غزة هشاً للغاية، فالمستشفيات تعمل بإمكانات محدودة، وعمليات الإغاثة تواجه عراقيل لوجستية، في حين ينتظر عشرات آلاف النازحين عودتهم إلى مناطقهم المدمّرة شرق خان يونس وشمال القطاع.
هذا المشهد يذكّر بأن وقف النار، رغم أهميته، لم يتحوّل بعد إلى سلام فعلي ولا إلى بداية عملية تعافٍ حقيقية.
البيان الأخير لحماس لم يكن مجرد تذكير بالتزامات متبادلة، بل محاولة لتثبيت المعادلة السياسية الجديدة في غزة:
– وقف النار مقابل التزامات متبادلة تحت رقابة دولية.
– الحفاظ على إدارة محلية في القطاع بصيغة توافقية.
– كسر الحصار كمدخل لإعادة الإعمار.
في المقابل، تسعى إسرائيل لاستثمار ثغرات الاتفاق لإعادة فرض شروطها الأمنية والسياسية على الأرض.
وبين ضغوط تل أبيب، وتردد واشنطن، وحذر الوسطاء الإقليميين، يقف اتفاق وقف النار على حافة اختبار قد يحدد مستقبل الهدوء في غزة، أو يعيد المنطقة إلى دائرة الحرب مجدداً.