تواصل القاهرة جهودها لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في وقت تتصاعد فيه الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل وحركة "حماس" بشأن تأخر تسليم جثامين الرهائن الإسرائيليين، وسط تحذيرات من تل أبيب باستئناف العمليات العسكرية في حال استمرار التأخير.
وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، في تصريحات أمس الخميس، أن حماس ملتزمة بالاتفاق المبرم، وأن عملية استعادة جثامين المحتجزين "تتطلب وقتًا وإمكانات ميدانية خاصة"، مشيرًا إلى أن القاهرة تتابع عن كثب تنفيذ بنود المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في القطاع.
وأوضح عبدالعاطي أن مصر تركز على تثبيت الهدنة وتنفيذ كامل مراحل الاتفاق، إلى جانب ضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة بما يتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع منذ أشهر.
كما دعا الوزير مجلس الأمن إلى إصدار قرار ينظم ولاية قوة دعم الاستقرار المزمع نشرها في القطاع، على أن يتم ذلك بالتنسيق الكامل مع الجانب الفلسطيني.
وفي إطار التحركات الدبلوماسية، بحث عبدالعاطي هاتفيًا مع نظيرته البريطانية إيفيت كوبر سبل دعم جهود التعافي وإعادة الإعمار، استعدادًا للمؤتمر الدولي الذي تعتزم القاهرة استضافته في نوفمبر المقبل بالتعاون مع الشركاء الدوليين.
حماس: تسليم الجثامين يتطلب وقتًا وإمكانات ميدانية
في المقابل، أكدت حركة حماس في بيان مساء الخميس التزامها الكامل باتفاق وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن بعض جثامين الرهائن الإسرائيليين "مدفونة في أنفاق دمرها الاحتلال"، فيما ما زالت جثث أخرى "عالقة تحت أنقاض مبانٍ مدمرة جراء القصف الإسرائيلي"، ما يتطلب معدات لرفع الركام غير متوفرة بسبب الحصار ومنع دخول المعدات الثقيلة.
وقالت الحركة إن الجثامين التي تمكنت من الوصول إليها "سُلّمت فورًا"، محمّلة حكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن أي تأخير ناتج عن منع دخول المعدات الإنسانية والتقنية اللازمة لعمليات البحث والانتشال.
وأضافت حماس أن استمرار القيود الإسرائيلية على دخول المواد الضرورية قد "يعرقل تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق"، والتي تشمل إعادة الأسرى وجثامين المحتجزين كافة.
توتر إسرائيلي وتحذيرات بالتصعيد
ورغم محاولات التهدئة المصرية، تزايدت الضغوط داخل إسرائيل، حيث طالب "منتدى عائلات الرهائن والمفقودين" الحكومة بعدم المضي قدمًا في تنفيذ المراحل التالية من الاتفاق ما لم تُسلّم حماس جثث الـ19 رهينة المتبقية.
فيما لوّح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، بـ"استئناف الهجوم على قطاع غزة" إذا لم تلتزم حماس ببنود الاتفاق خلال المدة المحددة.
وبحسب التفاهمات، كان يفترض أن يتم تسليم جميع الرهائن الأحياء والأموات خلال 72 ساعة من بدء سريان الهدنة ظهر الاثنين الماضي.
وقد سلمت الحركة حتى الآن 9 جثامين فقط من أصل 28، بينما أطلقت سراح 20 رهينة حياً مقابل إفراج إسرائيل عن نحو ألفي معتقل فلسطيني.
تحركات دولية ودعم تركي ميداني
وفي تطور ميداني، أعلنت تركيا أنها أرسلت فريقًا فنيًا إلى غزة للمساعدة في البحث عن جثامين الرهائن الإسرائيليين بالتنسيق مع الجهات الإنسانية العاملة هناك.
وتأمل أنقرة، بحسب مصادر دبلوماسية، أن يسهم الفريق في تسريع عملية انتشال الجثث "ضمن إطار إنساني لا سياسي".
اختبار جديد لمرحلة ما بعد الحرب
يرى مراقبون أن الأزمة الحالية تمثل اختبارًا حقيقيًا لصلابة اتفاق وقف النار الذي رعته القاهرة، ومدى قدرة الأطراف الدولية على الحفاظ على المسار السياسي الهش بعد حرب مدمرة استمرت أكثر من عام.
ويؤكد محللون أن التأخير في تسليم الجثامين لا يعني بالضرورة انهيار الاتفاق، لكنه يعكس هشاشة الوضع الميداني وصعوبة العمليات في بيئة مدمرة بالكامل.
وفي ظل ضغوط إسرائيلية داخلية وتحديات إنسانية هائلة في غزة، تبدو الدبلوماسية المصرية أمام معركة دقيقة للحفاظ على توازن الهدنة ومنع عودة الانفجار العسكري، وسط سباق مع الزمن لتفعيل آلية دولية لإعادة الإعمار وتثبيت الاستقرار.