تتزايد المخاوف في لبنان من انزلاق الجنوب إلى مواجهة عسكرية شاملة، مع تصاعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت، مساء الخميس، مناطق في جنوب وشرق البلاد، وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة سبعة آخرين، وفق ما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية.
الضربات الجديدة التي طالت أطراف بنت جبيل والنبطية جاءت، بحسب الجيش الإسرائيلي، في إطار استهداف "بنى تحتية لحزب الله"، ومواقع قال إنها تُستخدم "غطاء لإعادة إعمار مواقع عسكرية"، في وقت يرى فيه محللون أن هذه اللغة العسكرية تعكس رغبة تل أبيب في تكريس معادلة ميدانية جديدة تتجاوز قواعد الاشتباك المعمول بها منذ حرب تموز 2006.
اتهامات رسمية لبنانية: استهداف الاستقرار الوطني
في بيروت، لم يتأخر الرد السياسي على التصعيد. إذ اتهم الرئيس اللبناني جوزيف عون إسرائيل بانتهاج "سياسة ممنهجة لتدمير البنى الإنتاجية وعرقلة التعافي الاقتصادي"، معتبراً أن ما يجري هو "استهداف واضح للاستقرار الوطني تحت ذرائع أمنية زائفة".
ويرى محللون أن تصريحات الرئيس عون تعبّر عن قلق رسمي متزايد من أن تتحول الغارات المتكررة إلى وسيلة ضغط على الحكومة اللبنانية الجديدة، في ظل هشاشة الوضع الداخلي والأزمة الاقتصادية المستمرة.
نواف سلام: الجنوب محور الأولويات
في المقابل، حاول رئيس الحكومة نواف سلام إرسال رسائل تهدئة داخلية وخارجية خلال زيارته إلى مدينة صيدا، مؤكداً أن حكومته "ملتزمة بحق الجنوبيين في العودة إلى منازلهم وإعادة إعمارها"، وأن "الإعمار والعودة توأمان لا يفترقان".
وأضاف سلام أن المساعدات المنتظرة لإعادة الإعمار "تأخرت لأسباب لم تعد خافية"، لكنه شدد على استمرار السعي "لعقد مؤتمر دولي لتأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار والعودة الآمنة والمستدامة".
ويرى مراقبون أن سلام يسعى من خلال هذا الخطاب إلى تثبيت صورته كحكومة تعيد الاعتبار للجنوب اللبناني، وتحاول الموازنة بين ضغوط الشارع ومخاوف الانفجار الأمني.
تحرك دبلوماسي مكثف لاحتواء التصعيد
سياسيًا، يعمل لبنان على حشد دعم عربي ودولي لإلزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها، فيما تقول مصادر دبلوماسية إن بيروت تراهن على ما وصفته بـ"توازن المصلحة الدولية" في إبقاء الجبهة اللبنانية هادئة، خصوصاً في ظل انشغال واشنطن وتل أبيب بتداعيات الحرب في غزة.
وأشار سلام إلى أن حكومته تتابع "التطورات الإقليمية وما حمله مؤتمر شرم الشيخ الأخير من مؤشرات على مرحلة جديدة"، مؤكداً أن لبنان "متمسك بموقعه العربي والدولي، على قاعدة المصلحة الوطنية التي يجب أن تبقى البوصلة والميزان لكل السياسات".
بين الجنوب والقرار 1701.. سيناريوهات مفتوحة
على الأرض، تتزايد المؤشرات على أن التوتر الحدودي بين إسرائيل وحزب الله يتجاوز الطابع "التبادلي" التقليدي، إذ تسعى تل أبيب – بحسب تقديرات أمنية لبنانية – إلى اختبار مدى التزام الحزب باتفاق الهدنة غير المعلنة، ومحاولة جرّه إلى رد يبرر عملية عسكرية أوسع.
أما حزب الله، فيبدو حريصاً حتى الآن على ضبط إيقاع الردود دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تفتح جبهة شاملة، خصوصاً في ظل استمرار الحرب في غزة وتعقيدات المشهد الإقليمي.
الجنوب في عين العاصفة
بين وعود الإعمار وتصاعد القصف، يجد لبنان نفسه أمام معادلة صعبة: كيف يحافظ على سيادته واستقراره دون الانجرار إلى حرب جديدة؟
من صيدا التي حمل منها نواف سلام رسالة "الإعمار والعودة"، إلى بنت جبيل التي تئن تحت نيران الغارات، يبدو أن الجنوب اللبناني يعيش على حافة مواجهة مفتوحة.
ومع كل غارة جديدة، يتراجع الأمل في أن تنجح بيروت في تفادي حرب أخرى قد تكون كلفتها السياسية والاقتصادية أفدح من أي وقت مضى.