في ظل التطورات التي فرضها اتفاق غزة، يواجه لبنان مرحلة دقيقة تتداخل فيها الملفات الداخلية مع المتغيرات الإقليمية، تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري إجراء الانتخابات النيابية في موعدها يحمل بعدًا سياسيًا واضحًا، إذ يشكّل رسالة بأن المؤسسات اللبنانية ما زالت قادرة على العمل رغم الضغوط والأزمات المحيطة.
الموقف يعبّر عن تمسك بالاستقرار السياسي في وقت تسعى فيه إسرائيل لإعادة ترتيب أولوياتها بعد حرب أنهكتها ميدانيًا وسياسيًا. فالمشهد الإقليمي يتبدل بسرعة، وهناك محاولات لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة بوسائل دبلوماسية وأمنية، بينما يحاول لبنان الحفاظ على موقعه ضمن هذا المشهد دون الانجرار إلى مواجهات إضافية.
من جهة أخرى، النقاش حول المرحلة التالية من اتفاق غزة يثير قلقًا لبنانيًا مشروعًا من احتمال انتقال الضغوط إلى جبهة الجنوب، فالتاريخ القريب يثبت أن أي تحرك إسرائيلي في غزة غالبًا ما يترك أثرًا مباشرًا على الحدود اللبنانية، سواء عبر تهديدات أو خروقات أمنية. ولهذا السبب يسعى بري إلى تأكيد أن الحياة السياسية مستمرة، وأن الدولة اللبنانية ترفض أن تكون ساحة اختبار جديدة لأجندات خارجية.
يرى مراقبون أن الانتخابات المقبلة تمثل بالنسبة إلى القوى السياسية محطة أساسية لإثبات قدرة النظام اللبناني على الصمود، فالمشاركة الشعبية وإجراء الاستحقاق في موعده يعكسان تمسك اللبنانيين بمؤسساتهم رغم الانقسامات والأزمات الاقتصادية، كما أنها رسالة بأن البلاد لا تخضع لحسابات الخارج ولا ترضخ للضغوط التي تهدف إلى إضعافها.
التحركات الإسرائيلية الأخيرة توحي بمحاولة تصدير أزماتها نحو محيطها، في وقت تبحث فيه عن مخرج سياسي يخفف من تداعيات حرب غزة.
في المقابل، يحرص لبنان على تفادي أي تصعيد غير محسوب، مع الحفاظ على جهوزيته للدفاع عن سيادته هذا التوازن بين الصلابة السياسية والحذر الأمني يشكل جوهر المرحلة المقبلة في السياسة اللبنانية.
في المحصلة، تسعى بيروت إلى تثبيت حضوره كدولة تتعامل بمسؤولية مع التحديات المحيطة، رافضًا الانجرار وراء الاستفزاز الإسرائيلي، ومتمسكًا بخيار الدولة والمؤسسات كوسيلة وحيدة لضمان الاستقرار والدفاع عن الحقوق الوطنية.