بين العدالة والسيادة.. إلى أين يتجه الاتفاق القضائي بين بيروت ودمشق؟

2025.10.15 - 05:58
Facebook Share
طباعة

تتحرّك العلاقة اللبنانية – السورية نحو مستوى مختلف من التعاون، بعدما شهدت بيروت وصول وفد قضائي سوري برئاسة وزير العدل مظهر الويس، عقب زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، اللقاءات التي جرت مع وزير العدل اللبناني عادل نصّار، بحضور نائب رئيس الحكومة طارق متري، أسست لمسار تفاهمي عنوانه "التعاون الندّي" بين دولتين أنهكتهما توترات الماضي، ودفعت بهما الضرورة إلى صياغة أرضية جديدة من الشراكة القانونية.

نحو اتفاقية من عشرين مادة:

الاجتماعات التي عقدت في بيروت تمحورت حول مسودة اتفاقية تبادل سجناء تتألف من عشرين مادة، تُعدّ خطوة عملية لتسوية ملفات عالقة منذ سنوات، أبرزها السجناء والمطلوبون على جانبي الحدود. المسودة نصّت على استثناء مرتكبي الجرائم الكبرى كالقتل والاغتصاب، مع التركيز على المخالفات ذات الطابع الإجرائي أو الجنائي البسيط.

الجانب السوري سيعرض النص على الجهات الرسمية في دمشق، تمهيداً لإعلان الخطوات التنفيذية لاحقاً، فيما سيُحال الاتفاق بعد توقيع الوزيرين إلى الحكومة اللبنانية للموافقة عليه، ثم إلى مجلس النواب لإقراره بقانون يتيح دخوله حيّز التنفيذ.


زيارات ميدانية ورسائل سياسية:

في موازاة النقاشات الرسمية، زار الوفد السوري سجن رومية بعد موافقة النيابة العامة التمييزية، حيث التقى عدداً من السجناء السوريين، الزيارة عكست جدّية في متابعة الملف الإنساني والقانوني، وأكد الوزير الويس أنّ بلاده تعمل على تشكيل فرق متخصصة لمعالجة القضايا العالقة وكشف الحقائق وتحقيق العدالة.
من جانبه شدد الوزير نصّار على أنّ الهدف هو حلّ جذري يحفظ كرامة الموقوفين ويصون السيادة الوطنية، بعيداً عن أي استنسابية أو ضغوط سياسية.

توافق قانوني وهدوء سياسي:

أكد نصّار أن الاجتماعات كانت "إيجابية وبنّاءة"، وأن التفاهم بين الجانبين قطع شوطاً كبيراً نحو إنهاء النص القانوني للاتفاقية، وأوضح أن البنود لا تشمل المتورطين بجرائم القتل أو الإرهاب، ما يعكس حرص الجانب اللبناني على تحديد إطار قانوني صارم يحمي مصالحه الداخلية.
أما الوزير الويس فشدّد على أنّ "وجهات النظر متقاربة"، وأن بلاده تسعى لتعزيز التعاون القضائي على أساس العدالة واحترام السيادة، في إشارة إلى رغبة دمشق في تجاوز التوترات التاريخية وبناء ثقة جديدة عبر المؤسسات الرسمية.


ملفات موازية قيد البحث:

شملت المباحثات أيضاً ملفّات مرتبطة بالمطلوبين والفارّين من العدالة في البلدين، إضافة إلى تبادل المعلومات بشأن الاغتيالات السياسية التي وقعت في لبنان خلال فترة الوجود السوري، الجانب السوري أبدى استعداداً لتزويد بيروت بالمعلومات اللازمة، ودعم لجنة متابعة ملفّ المخفيين قسراً، ما فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون القضائي والأمني المتبادل.


مؤشرات على تحوّل في العلاقة:

كشفت وسائل إعلام محلية أنّ الأجواء خلال الاجتماعات كانت أكثر إيجابية من المتوقع، الطرفين أظهرا إرادة حقيقية لفتح صفحة جديدة، بعيداً من رواسب الماضي، فلبنان متمسّك بسيادته وحقوقه، وسوريا تسعى لترميم صورتها وإعادة بناء الثقة مع محيطها.

هذا التطور لا يقتصر على الجوانب القانونية، بل يمتد إلى أبعاد سياسية تتصل بملفات الحدود، التهريب، وعودة اللاجئين، ما يجعل اتفاقية تبادل السجناء بوابةً لتطبيع تدريجي في العلاقات بين بيروت ودمشق، بعد سنوات من الفتور والانقطاع الرسمي.

في الوقت الذي يراقب فيه الداخل اللبناني بقلقٍ وحذر هذه التحركات، يرى آخرون أنّ انفتاح القنوات القضائية قد يشكّل مدخلاً لإعادة تنظيم العلاقات بين البلدين على أسسٍ أكثر وضوحاً ومؤسساتية. فالاتفاق المنتظر، متى دخل حيّز التنفيذ، قد يكون نقطة تحوّل حقيقية في المشهد اللبناني – السوري، تُمهّد لمسار تعاونٍ متوازن، تتقدم فيه العدالة على الحسابات السياسية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 2