يمثل قرار تجميد عمل المجلس الأعلى اللبناني–السوري نقطة تحول غير مسبوقة في مسار العلاقة بين بيروت ودمشق، بعد أكثر من ثلاثة عقود ظلّ خلالها هذا المجلس رمزاً للارتباط غير المتكافئ الذي قيّد استقلال القرار اللبناني تحت شعار "الأخوة والتنسيق".
لذلك جاء بتفاهم رسمي بين الجانبين خلال زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت، تنقل العلاقة إلى مرحلة جديدة تتأسس على مبدأ الندية والسيادة المتبادلة، بعد أن ظلت طوال سنوات خاضعة لمعادلة فرضها النفوذ السوري في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف.
المجلس الأعلى، الذي أُنشئ بموجب معاهدة عام 1991، كان أداة سياسية وأمنية استخدمها النظام السوري لترسيخ وصايته داخل لبنان، إذ تحوّلت اجتماعاته إلى منصّة لإصدار التوجيهات أكثر من كونها إطاراً للتنسيق.
ومع الانسحاب العسكري السوري عام 2005، تراجع دوره تدريجياً، لكنه بقي حاضراً كرمز لمرحلة من التبعية السياسية والإدارية التي عطلت أي إمكانية لعلاقة طبيعية بين الدولتين.
التحول الحالي يحمل بعداً سياسياً وإقليمياً متشابكاً. فالنظام السوري الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع يسعى لإعادة صياغة علاقاته مع العالم العربي على أسس مختلفة عن مرحلة بشار الأسد.
الشرع، الذي يدرك حاجة بلاده إلى استعادة الثقة الإقليمية، اختار لبنان كنقطة انطلاق لتصحيح مسار طويل من الهيمنة، معلناً نهاية مرحلة الوصاية وبداية مرحلة "الشراكة".
وفي المقابل، ينظر لبنان إلى الخطوة كفرصة لاستعادة توازنه السياسي وإعادة بناء مؤسساته بعيداً عن أي نفوذ خارجي، مع المحافظة على التعاون في الملفات الأمنية والاقتصادية ضمن أطر شفافة ومعلنة.
المرحلة المقبلة ستشهد مراجعة شاملة لمعاهدة 1991 وما نتج عنها من اتفاقات أمنية وتجارية، تمهيداً لإنشاء لجنة وزارية مشتركة تدير العلاقة بين البلدين بطريقة مؤسساتية تخضع لمساءلة البرلمانين في بيروت ودمشق.
هذا المسار الجديد يحظى بدعم عربي واضح، خصوصاً من السعودية وقطر، اللتين تعتبران أن استقرار لبنان لا يتحقق إلا بفك الارتباط مع منظومة الوصاية السابقة وفتح صفحة جديدة مع سوريا الحديثة.
بهذا التجميد، يُطوى فصل من التاريخ السياسي للبنان وسوريا معاً، وتُفتح صفحة مختلفة، عنوانها التعاون المتكافئ لا التبعية، والعلاقات بين دولتين مستقلتين بعد عقود من الهيمنة المتبادلة.