على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي سجلها الاقتصاد اللبناني مؤخراً، تبقى مستويات الفقر والأمن الغذائي مستقرة على مسار سلبي، مما يبرز التعافي الاقتصادي بعد سنوات الانهيار والحرب الأخيرة يتوقع البنك الدولي نمواً بنسبة 3.5% للناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الحالي، ويصل إلى 4% في العام المقبل، مقارنة بانكماش 7.1% سجل العام الماضي.
النمو القطاعي والاقتصاد الكلي
يشهد النمو القطاعي تبايناً، حيث يُقدر نمو القطاع الزراعي بنسبة 2.5%، والقطاع الصناعي بنسبة 3%، والقطاع السياحي بنسبة 4.2%. كما يُتوقع أن ينخفض معدل التضخم إلى 8.7%، نزولاً من نسبة 15.2% متوقعة بنهاية العام، في حين يظل نصف العاملين يكسبون أقل من 8.3 دولارات يومياً، ما يعكس استمرار الضغوط على القدرة الشرائية لقطاعات واسعة من السكان.
الأمن الغذائي والفقر المستمر:
على الرغم من بعض المؤشرات الإيجابية في قطاع الأمن الغذائي، لا تزال نسبة السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي مرتفعة، حيث تراجع عدد المصنفين ضمن هذه الفئة من 1.65 مليون إلى نحو 1.17 مليون. كما ارتفعت نسبة الأفراد الذين يعيشون بأقل من 3 دولارات يومياً من 0.1% في 2013 إلى 5.9% خلال عشر سنوات، ونسبة من يكسبون أقل من 4.2 دولارات يومياً إلى 16%، مما يشير إلى استمرار التحديات في توفير حياة كريمة لشريحة كبيرة من المجتمع.
المالية العامة وميزان المدفوعات:
يواجه لبنان ضغوطاً مستمرة على ميزان المدفوعات، بالرغم من مساهمة التحويلات المالية من المغتربين في دعم الاقتصاد. وسجل العجز التجاري اتساعاً بنسبة 12.9% خلال النصف الأول من 2025، في حين ارتفعت الصادرات بنسبة 23% والواردات بنسبة 14.65%. كما يشير البنك الدولي إلى أن تأخير الإصلاحات المالية والسياسية قد يعرّض توقعات النمو للخطر، بينما تشكل إعادة هيكلة الدين العام وإصلاح الميزانية عناصر حيوية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
تأثير الحرب والنزوح على الاقتصاد:
أسهم النزوح الكبير والحرب الأخيرة في تدهور البنية التحتية والخدمات الأساسية، حيث تجاوز عدد النازحين 1.2 مليون شخص، مع تكبد الأضرار المادية نحو 6.8 مليار دولار والخسائر الاقتصادية حوالي 7.2 مليار دولار، بالإضافة إلى احتياجات إعادة الإعمار التي تقدر بنحو 11 مليار دولار. هذه العوامل تضيف عبئاً إضافياً على الاقتصاد وتحد من استفادة الفئات الفقيرة من أي تحسن اقتصادي.
التوقعات المستقبلية وإجراءات التعافي:
رغم التحديات، شهد لبنان تقدماً على الصعيد السياسي مع إنهاء فراغ دام سنتين وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة. كما ساهم الانتعاش في السياحة وتحسن بعض المؤشرات الاقتصادية في دعم النمو، مع توقع استمرار التحسن في التضخم إلى مستويات أقل من 10% في العام المقبل.
ومع ذلك، يظل الفقر متفشياً ويستدعي تكثيف الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، لضمان وصول آثار الانتعاش إلى أوسع شرائح المجتمع وتحقيق استقرار طويل الأمد.