في وقتٍ تستعد فيه العواصم العالمية لبحث مستقبل غزة بعد عامين من الحرب المدمّرة، كشفت الأمم المتحدة عن تقديرات أولية ضخمة لكلفة إعادة الإعمار، التي يُنتظر أن تكون الأكبر في تاريخ المنطقة المعاصر.
أعلن جاكو سيلييرز، مسؤول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، خلال مؤتمر صحفي في جنيف، أن الكلفة التقديرية لإعادة إعمار قطاع غزة تصل إلى نحو 70 مليار دولار، في ظل حجم الدمار غير المسبوق الذي خلّفته الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
وأوضح سيلييرز أن البرنامج تلقى “مؤشرات جيدة للغاية” من عدد من الدول، بينها الولايات المتحدة ودول عربية وأوروبية، تبدي استعدادها للمساهمة في جهود الإعمار. ورغم عدم كشف تفاصيل عن حجم أو طبيعة هذه التعهدات، أشار المسؤول الأممي إلى أن تلك المؤشرات تُعد خطوة أولى نحو بناء شراكة دولية لإطلاق عملية الإعمار على مراحل.
وأشار إلى أن الحرب التي استمرت لعامين خلّفت ما لا يقل عن 55 مليون طن من الأنقاض، وهو ما يستدعي خطة واسعة لإزالتها قبل الشروع في بناء المنشآت والمرافق الحيوية. وأضاف أن الأولوية في المرحلة الأولى ستكون لإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، لضمان عودة تدريجية للحياة المدنية في القطاع.
وشدّد سيلييرز على أن الأمم المتحدة تعمل على تعبئة التمويل الدولي وتنسيق الدعم بين الهيئات المانحة والمنظمات الأممية، بهدف وضع خطة مستدامة لإعادة الإعمار توازن بين الاحتياجات الإنسانية العاجلة ومتطلبات التنمية طويلة الأمد.
تأتي هذه التصريحات قبل أيام من مؤتمر دولي مرتقب سيُعقد لمناقشة آليات تنفيذ المرحلة الأولى من الإعمار وتوزيع المساهمات بين الدول المانحة. ومن المتوقع أن يكون الملف محورًا رئيسيًا في الجهود الدبلوماسية لإرساء استقرار طويل الأمد في غزة، لا سيما في ظل استمرار الحصار وتحديات الأمن وإدارة الموارد.
وتشير تقديرات خبراء التنمية إلى أن نجاح عملية الإعمار سيعتمد على ضمان بيئة سياسية وأمنية مستقرة، إضافة إلى الشفافية في إدارة الأموال وتوزيعها، وهو ما قد يتطلب إشرافًا دوليًا مباشرًا لضمان فاعلية الجهود ومنع تكرار أزمات الإعمار السابقة بعد حربَي 2008 و2014.
بين تقديرات المليارات وتعهدات المانحين، تبدو عملية إعادة إعمار غزة اختبارًا حقيقيًا للمجتمع الدولي. فبينما يسعى الفلسطينيون لاستعادة حياة طبيعية بعد عامين من الدمار، يترقب العالم ما إذا كان هذا الزخم الأممي سيُترجم إلى إرادة سياسية حقيقية تعيد إعمار القطاع لا حجراً فوق حجر، بل إنسانًا فوق إنسان.