حذّرت قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) من تداعيات القرار الأممي القاضي بتقليص قوات حفظ السلام حول العالم بنسبة 25%، معتبرة أن هذا الإجراء سيترك تأثيرات مباشرة على قدرتها العملياتية في جنوب لبنان، في وقت يتزايد فيه التوتر على طول الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل.
وقالت المتحدثة باسم "اليونيفيل" كانديس أردييل، في تصريحات صحفية، إن المرحلة المقبلة "ستكون مليئة بالقرارات الصعبة والتحديات المعقدة"، رغم استمرار التنسيق مع السلطات اللبنانية والدول المساهمة في القوة للحد من تداعيات القرار. وأوضحت أن البعثة تعمل حالياً على إعداد خطة دقيقة للتعامل مع التقليص بما يضمن استمرار تنفيذ ولايتها الأساسية، مؤكدة أن الهدف هو تقليل الأثر الميداني للخفض على فعالية عمل القوات الدولية.
تخفيض عالمي.. وضغوط محلية
يأتي هذا القرار ضمن خطة أممية شاملة لإعادة هيكلة مهام حفظ السلام وتخفيض كلفتها التشغيلية في عدة مناطق نزاع، إلا أن انعكاساته على لبنان تبدو أكثر حساسية، في ظل هشاشة الوضع الأمني في الجنوب.
فالحدود اللبنانية الإسرائيلية تشهد منذ أسابيع تصعيداً ميدانياً واسعاً تمثل في غارات جوية وهجمات بطائرات مسيّرة، استهدف بعضها مواقع تابعة لـ"اليونيفيل". وأكدت أردييل أن "كل انتهاك يعد خطيراً لأنه يقوض الالتزام بالقرار الدولي 1701 ويهدد الهدوء النسبي الذي ساد المنطقة في الأشهر الأخيرة".
وأضافت أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة داخل الأراضي اللبنانية لا تزال العائق الأكبر أمام الانتشار الكامل للجيش اللبناني جنوب الليطاني، مشيرة إلى أن التعاون بين "اليونيفيل" والجيش اللبناني لا يزال قائماً من خلال الدوريات المشتركة اليومية والخطط الميدانية المنسقة لضمان الأمن والاستقرار.
انتهاكات متزايدة وتحديات ميدانية
بحسب بيانات "اليونيفيل"، فقد سجّلت القوات الدولية خلال الشهر الماضي وجود جنود إسرائيليين داخل الأراضي اللبنانية، كما رُصدت هجمات بقنابل ألقيت من طائرات مسيّرة، وتوجيه أسلحة وأشعة ليزر نحو عناصرها، إضافة إلى سقوط طائرة استطلاع إسرائيلية داخل مقرّ البعثة في الناقورة.
تلك الوقائع، وفق مراقبين، تُعيد إلى الواجهة هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار المكرّس بالقرار 1701، وتضع الأمم المتحدة أمام معادلة صعبة: كيف تحافظ على فاعليتها في ظل تقليص الموارد وازدياد المخاطر؟
القرار 1701 ومعادلة الاستقرار الهش
صدر القرار 1701 في أغسطس 2006 ليضع حداً لحرب تموز بين إسرائيل و"حزب الله"، وينص على وقف الأعمال العدائية وانتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني بالتعاون مع قوات "اليونيفيل".
إلا أن تطبيق القرار ظلّ ناقصاً، بسبب استمرار الانتهاكات الجوية والبرية الإسرائيلية، إضافة إلى القيود الميدانية المفروضة على حركة الجيش اللبناني. ومع مرور السنوات، أصبحت "اليونيفيل" لاعباً محورياً في ضبط التوازن الدقيق بين الطرفين، رغم تعرضها مراراً لاستهدافات مباشرة.
ضمانة متعددة الأطراف
تشدد أردييل على أن وجود أكثر من 50 دولة مشاركة في القوة الأممية "يشكل ضمانة حيادية تتيح مراقبة دقيقة لما يجري وتساعد في منع سوء الفهم الذي قد يؤدي إلى التصعيد"، مؤكدة أن "المسؤولية النهائية في تنفيذ القرار 1701 تقع على عاتق كل من لبنان وإسرائيل، بينما تبقى مهمة اليونيفيل دعم هذا المسار بكل الوسائل الممكنة".
ويرى محللون أن تقليص قوات "اليونيفيل" في هذا التوقيت الحرج قد يفتح الباب أمام فراغ ميداني يصعب تعويضه، خصوصاً إذا تزامن مع مزيد من التوتر الإقليمي أو تصعيد بين "حزب الله" وإسرائيل، ما يجعل الجنوب اللبناني أمام اختبار جديد لقدرة الأطراف الدولية على ضبط خطوط النار.