كشفت مصادر مطلعة عن تفاصيل غير مسبوقة حول تفاهمات وُصفت بـ"الشفهية" بين الحكومة السورية وقيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تقضي باندماج الأخيرة ضمن صفوف الجيش السوري، في خطوة يُعتقد أنها قد تغيّر ميزان القوى في شمال وشرقي البلاد، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التنسيق العسكري والسياسي، برعاية أميركية مباشرة.
اجتماع دمشق
وبحسب المصدر، فإن الاجتماع الذي جرى في العاصمة دمشق الأسبوع الفائت، والذي جمع بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بحضور المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك، وقائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر، أعقب اجتماع ثانٍ ضم وفداً من "قسد" مع وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة، لبحث التفاصيل الميدانية والإجرائية لعملية الدمج المرتقبة.
ووفقاً للمصدر ذاته، فقد جاءت التفاهمات برعاية وضمانات أميركية، ونصّت على دمج قوات "قسد" ضمن الجيش السوري عبر إنشاء ثلاث فرق عسكرية وعدد من الألوية التابعة للجيش، موزعة بين محافظات الحسكة، الرقة، ودير الزور. كما ستُدمج قوات الأمن الداخلي المعروفة باسم "الأسايش" مع نظيرتها التابعة لوزارة الداخلية السورية، لتصبح جزءاً من الهيكل الأمني الرسمي للدولة.
وتقضي التفاهمات أيضاً بأن تحتفظ "قسد" بالمناصب القيادية في هذه الفرق وفي الأجهزة الأمنية المحلية، على أن يتم تعيين مسؤولين حكوميين "توافقياً" من أبناء المناطق ذاتها، ما يتيح تقاسماً للنفوذ بين الطرفين ويمنح سكان الشمال الشرقي حضوراً في الإدارة الأمنية الجديدة.
وبمجرد اكتمال عملية الدمج، لن تبقى أي قوة تحمل اسم "قوات سوريا الديمقراطية" أو "الأسايش"، إذ ستُستبدل التسميات بأسماء الفرق والأجهزة المعتمدة لدى الجيش السوري، في خطوة ترمي إلى توحيد المظهر العسكري ضمن مؤسسة واحدة تحت راية الدولة.
لجان مشتركة لتنفيذ الاتفاق
واتفق كل من عبدي والشرع على تشكيل لجان مشتركة تتولى مهمة الإشراف على آليات الدمج والتنسيق بين الجانبين، على أن تبدأ عملها في فترة قريبة. وبحسب التقديرات، فإن عدد عناصر "قسد" و"الأسايش" يتراوح بين 80 إلى 100 ألف مقاتل، ما يجعل عملية الدمج من أكبر عمليات إعادة الهيكلة العسكرية في سوريا منذ سنوات.
انضمام سوري محتمل للتحالف الدولي
في تطور موازٍ، كشف المصدر أن التفاهمات لم تقتصر على الجانب العسكري الداخلي فحسب، بل شملت أيضاً تفاهمات بين دمشق وواشنطن، تضمنت موافقة مبدئية من الحكومة السورية على الانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة (داعش). وبموجب هذه التفاهمات، ستتولى قوات الجيش والأمن السوري قيادة عمليات مكافحة التنظيم داخل البلاد، بالتنسيق مع القوات الأميركية والتحالف الدولي، وذلك عقب استكمال دمج "قسد" في البنية العسكرية الرسمية.
موقف "قسد" من المقترحات الأميركية
قائد "قسد" مظلوم عبدي أكد في تصريحات متلفزة السبت الماضي أن واشنطن اقترحت تشكيل قوة مشتركة من "قسد" والجيش السوري لمحاربة "داعش"، موضحاً أن قواته قبلت بهذه المقترحات بهدف "إضفاء طابع وطني شامل على الحرب ضد الإرهاب"، على حد وصفه. وأشار عبدي إلى أن التفاهمات التي تم التوصل إليها ما تزال في إطار "اتفاق شفهي"، لكنّها تمثل – بحسب تعبيره – "خطوة عملية نحو وحدة الموقف الوطني والعسكري في مواجهة التحديات الأمنية".
دور أميركي فاعل واستمرار التنسيق
واعتبر عبدي أن زيارة الأدميرال براد كوبر والمبعوث الأميركي توم باراك إلى شمال شرق سوريا جاءت لتأكيد استمرار التنسيق بين "قسد" وواشنطن، نافياً وجود أي خلافات جوهرية مع الجانب الأميركي.
وقال إن الاجتماع الأخير في الحسكة مع الوفد الأميركي تناول ملفات اقتصادية وسياسية أيضاً، من بينها رفع قانون قيصر الذي يفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، إضافة إلى مناقشة انضمام دمشق إلى جهود محاربة الإرهاب في المنطقة.
ويرى مراقبون أن هذه التفاهمات – في حال تنفيذها – قد تمثل نقطة تحول كبيرة في الصراع السوري، إذ قد تؤدي إلى إنهاء أحد أبرز مظاهر الانقسام العسكري والسياسي داخل البلاد.
وتبقى التساؤلات مطروحة حول مدى قدرة الأطراف على تحويل التفاهمات الشفهية إلى اتفاق عملي، في ظل تعقيدات المشهد الميداني، والتباينات في المصالح بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سوريا.