تعيش محافظة السويداء حالة من الجمود السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وسط استمرار تعليق تنفيذ خارطة الطريق التي وضعت لإنهاء الأزمة في المنطقة وجلب الاستقرار إلى الجنوب السوري. فقد بقيت مخرجات هذه الخارطة نصًا على الورق، دون أن ترى النور، بينما تواجه المحافظة تداعيات تهميش وعزلة، مع تزايد التحديات الخدمية والمعيشية لسكانها.
تسعى خارطة الطريق إلى معالجة مجموعة من الملفات الأساسية، تشمل محاسبة المعتدين على المدنيين وممتلكاتهم، وضمان استمرار المساعدات الإنسانية والطبية، وتعويض المتضررين وإعادة تأهيل القرى المتضررة، وتأمين عودة النازحين إلى مناطقهم، إلى جانب إعادة الخدمات الأساسية وتهيئة الظروف لعودة الحياة الطبيعية، إضافة إلى كشف مصير المفقودين وإطلاق مسار للمصالحة الداخلية بمشاركة جميع أبناء المحافظة.
إلا أن تنفيذ هذه الخطة اصطدم بمجموعة من العقبات، أبرزها سيطرة لجنة غير رسمية على دوائر المحافظة والبنوك المحلية، مع دعم من فصائل مسلحة خارج القانون، والتي تمكنت من استقطاع مليارات الليرات السورية ومبالغ بالعملة الصعبة دون رقابة رسمية، ما أدى إلى بطء ملحوظ في إنجاز خارطة الطريق.
وتشير تقديرات محلية إلى أن تعطيل الخارطة يعود إلى مصالح شخصية وأطماع في الزعامة، إضافة إلى تحالفات مع مجموعات غير قانونية أدت إلى استنزاف الموارد المحلية، مما انعكس على الخدمات الأساسية وحركة التجارة والمساعدات الإنسانية. وقد أُكد أن الحكومة السورية ما تزال ملتزمة بتوفير الموارد والخدمات، دون الدخول في صدام مباشر مع القوى المسيطرة على الأرض، عبر تنفيذ ما يمكن تنفيذه ضمن نطاق الإمكانات القانونية.
ويقول مراقبون إن التحدي الأساسي يكمن في فصل الملف الإنساني عن الملفات السياسية والعدلية، لضمان معالجة معاناة السكان بأسرع وقت ممكن، دون التأثر بمصالح الأطراف المتحكمة في الأرض. وتشمل الإجراءات الضرورية تسريع الإفراج عن المختطفين وكشف مصير المفقودين، وتعويض ذوي الضحايا والمتضررين، وإعادة تأهيل البنية التحتية والمنازل والمؤسسات، وتأمين كامل الطريق بين السويداء ودمشق لتسهيل حركة الأشخاص والبضائع، وضمان وصول المساعدات الغذائية والدوائية إلى المحافظة تحت إشراف منظمات دولية.
في المقابل، يرى آخرون أن استمرار تجميد الملفات وعدم التواصل الرسمي مع الحكومة يزيد من حجم المعاناة اليومية، خصوصًا مع اقتراب موسم الشتاء، ويؤدي إلى تفاقم الضغط على النازحين في مراكز الإيواء، ما يشكل استحقاقًا على الجهات الدولية للتدخل العاجل.
وتصاعدت الأوضاع بعد إصدار بيان من شخصية محلية بارزة في السويداء، طالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل لفك ما وصفتها بالحصار المفروض على المحافظة، متهمة أطرافًا مسلحة وحكومية بعرقلة وصول الوقود والطحين والغذاء، ومنع الموظفين من استلام رواتبهم ومنع الطلبة من مواصلة تعليمهم، مع التأكيد على حق تقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة.
الواقع على الأرض يعكس تعقيد الأزمة، إذ لا يقتصر الأمر على المعاناة المعيشية والخدمية، بل يمتد إلى الصراع على السلطة والموارد، ما جعل تنفيذ أي مخرجات لحل الأزمة أمرًا صعبًا، خاصة في ظل استمرار تعطيل بعض الجهات للأطر القانونية الرسمية، رغم استعداد الحكومة لتقديم كل الموارد والخدمات اللازمة.
وفي هذا السياق، يشدد مراقبون على ضرورة وجود حوار وطني شامل، يضمن مشاركة جميع الأطراف، ويحافظ على وحدة المحافظة وسلامة المدنيين، مع التركيز على حل الملفات الإنسانية والاقتصادية بشكل عاجل، قبل الدخول في أي تسويات سياسية أو عدلية، لضمان عدم تفاقم الأزمة وزيادة حجم المعاناة.
يظل السؤال الأبرز: من يعرقل تنفيذ خارطة الطريق في السويداء؟ وهل ستنجح الجهود الرسمية في كسر الجمود وإعادة الحياة الطبيعية إلى المحافظة، أم أن المصالح الشخصية وتحكم القوى الخارجة عن القانون سيظل يعيق أي حل ملموس؟