في سلسلة من العمليات الأمنية المكثفة خلال الأشهر الماضية، أوقفت السلطات اللبنانية ما لا يقل عن 32 شخصاً للاشتباه بتعاملهم مع إسرائيل خلال الحرب الأخيرة على لبنان، وفق مصادر قضائية مطلعة. وقال مصدر قضائي إن بعض هؤلاء الموقوفين قدموا معلومات دقيقة عن مواقع جماعة "حزب الله" وتحركات عناصرها، مما ساعد على استهداف أماكن تواجد القادة والمسؤولين خلال النزاع الأخير.
من بين الموقوفين، أدين اثنان بالأشغال الشاقة لمدة 7 و8 سنوات بتهمة تزويد العدو بإحداثيات وعناوين وأسماء مسؤولين في "حزب الله"، مع العلم بأن هذه المعلومات استخدمت من قبل إسرائيل في شن هجمات محددة. وأكدت المصادر أن العديد من الموقوفين اعترفوا خلال التحقيقات الأولية بدورهم في نقل معلومات حساسة خلال الحرب في الجنوب والضاحية الجنوبية، معقل الحزب قرب بيروت.
ويأتي ذلك في ظل استمرار حالة الحرب الرسمية بين لبنان وإسرائيل، وعدم ترسيم الحدود بين البلدين، مما يجعل كل تسريب معلوماتي أمراً شديد الخطورة، ويعاقب القانون اللبناني مرتكبي جرائم التجسس بالسجن لفترات طويلة.
الأجهزة الأمنية اللبنانية سبق وأن أوقفت عشرات الأشخاص على خلفية شبهات التعاون مع إسرائيل خلال السنوات الماضية، وصدرت أحكام قضائية تصل أحياناً إلى 25 سنة سجناً. ويرى خبراء أمنيون أن الفقر والاضطراب الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ خريف 2019 ساهم في جعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للتجنيد من قبل أجهزة استخبارات أجنبية، خاصة عبر الإنترنت، لكن هؤلاء الدوافع لا تبرر الخيانة ولا تمحو أثرها المدمر على المجتمع والأمن الوطني.
هذا الوضع يعكس استراتيجية إسرائيل المستمرة في استغلال الفوضى الاقتصادية والاجتماعية في لبنان للتسلل وكسب معلومات حساسة عن حزب الله ومواقع المقاومة. الانتقادات الدولية والمحلية تسلط الضوء على حاجة لبنان لتعزيز الرقابة الأمنية والتشريعات الصارمة لمواجهة ظاهرة التجسس، التي تهدد الاستقرار والأمن الوطني.
التحقيقات الجارية تشير إلى أن هذه الشبكات لم تكن كبيرة، لكنها دقيقة بما يكفي لإحداث أضرار ملموسة، إذ أن المعلومات المسربة سمحت للعدو باستهداف مواقع استراتيجية في جنوب لبنان وضواحي بيروت. وتوضح المصادر أن هؤلاء الأشخاص غالباً ما يكونون عرضة للضغط المالي أو الاجتماعي أو النفسي، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة للتجنيد، إلا أن القانون اللبناني لا يميز بين دوافع الشخص وعواقب فعله، ويظل التجسس جريمة خطيرة تستدعي العقاب الصارم.
تجسد هذه القضية مأساة مزدوجة: فقدان الأمن الداخلي وتهديد السيادة الوطنية، مع انكشاف بعض المواطنين أمام أعداء لبنان. وتعكس أيضاً هشاشة الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي جعلت البعض يفكرون في التعاون مع جهات معادية، وهو ما لا يخفف من مسؤوليتهم أمام القانون والمجتمع.
في المحصلة، تؤكد هذه الأحداث أن الحرب ليست محصورة بالأسلحة وحدها، بل تمتد لتشمل الجوانب الاستخباراتية والمعلوماتية، حيث يمكن لمعلومة واحدة أن تغيّر مجريات معركة بأكملها. لبنان اليوم أمام تحدي مزدوج: محاربة التجسس وحماية مجتمعه من تأثيرات الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يستغله العدو الإسرائيلي بذكاء وقسوة.