يستعد الوفد اللبناني الرسمي، المؤلف من وزير المال ياسين جابر، ووزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، للتوجه إلى واشنطن في 13 تشرين الأول الجاري، للمشاركة في اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين.
وتأتي الزيارة في مرحلة دقيقة، يسعى خلالها لبنان إلى استقطاب الدعم المالي لإعادة الإعمار بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، في وقت يواجه فيه المجتمع الدولي تساؤلات حول مدى جدية الدولة في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
ملفات اقتصادية وإصلاحية على الطاولة:
يحمل الوفد اللبناني مجموعة من الملفات الإصلاحية التي تشكل محور النقاش مع المؤسسات المالية الدولية.
فبحسب مستشار وزير المال، الدكتور سمير حمود، هناك جملة تطورات إيجابية أبرزها إحالة مشروع موازنة العام 2026 إلى مجلس الوزراء ومنه إلى مجلس النواب ضمن المهل الدستورية، مع تسجيل فائض ولو محدود، وهي خطوة تُعدّ سابقة في السنوات الأخيرة، ويتوقع أن يطالب صندوق النقد الدولي برفع هذا الفائض لضمان مزيد من الانضباط المالي.
كما أحالت وزارة المال إلى الحكومة مشروع تعديل قانون إعادة هيكلة المصارف بما يتوافق مع ملاحظات صندوق النقد، تمهيدًا لإعادة التوازن إلى القطاع المالي ومعالجة أزمة الثقة مع المودعين.
ملف المديونية العامة والتدقيق المالي:
من الملفات الأساسية التي يناقشها الوفد، مسألة المديونية العامة من مصرف لبنان المقدّرة بنحو 16.5 مليار دولار، وكيفية توزيع الخسائر بين الدولة والمصارف والبنك المركزي. وقد شُكّلت لجنة تدقيق مشتركة بين وزارة المال ومصرف لبنان لتحديد حجم هذه الالتزامات بدقة، بما يتيح وضع خطة مالية متكاملة.
ويشير حمود في تصريحاته لوسائل إعلام محلية، إلى أن ما يُعرف بـ قانون الفجوة المالية لا يزال قيد النقاش، وأن الأفكار المطروحة تحتاج إلى تعديل قبل الوصول إلى صيغة نهائية، خصوصًا في ما يتعلق بعلاقة الدولة بالبنك المركزي، وتوزيع الخسائر بطريقة عادلة ومتدرجة.
إصلاحات في الجمارك ومحاربة التهرّب الضريبي:
من بين النقاط التي يعرضها الوفد أيضًا، ما تحقق في ملف الجمارك، حيث بدأت عملية تركيب آلات "سكانر" في مرفأي بيروت وطرابلس للحدّ من التهريب، إلى جانب تعيين مجلس إدارة جديد في المديرية العامة للجمارك.
كما تعمل وزارة المال على تعزيز آليات مكافحة التهرّب الضريبي، خصوصًا في ضريبة القيمة المضافة، ضمن خطة تهدف إلى رفع الإيرادات من دون فرض ضرائب جديدة. هذه الإجراءات تأتي في إطار جهود أوسع لمحاربة الاقتصاد الموازي وتقليص التعامل النقدي.
ضبط الاقتصاد النقدي والتعامل الإلكتروني:
تخوض وزارة المال ما وصفه حمود بـ "معركة محاربة الاقتصاد النقدي" عبر فرض استخدام الوسائل المصرفية في عمليات الدفع والتحصيل، وقد طلب الوزير من المصارف تسهيل تسديد الضرائب والرسوم عبر بطاقات الدفع الإلكترونية، بدل الاقتصار على النقد الورقي، بهدف زيادة الشفافية وتتبع حركة الأموال، وهو ما يلقى ترحيبًا من الجهات الدولية المانحة.
التحديات السياسية أمام الدعم الدولي:
رغم المؤشرات الإيجابية في المسار الاقتصادي، يبقى ملف الدعم الخارجي وإعادة الإعمار مرتبطًا برؤية سياسية واضحة من جانب الدولة اللبنانية. فالمؤسسات الدولية تشترط بيئة إصلاحية مستقرة وموقفًا سياسيًا موحّدًا لضمان تدفق المساعدات.
ويُنتظر أن يطرح الوفد اللبناني خلال الاجتماعات تصورًا متكاملًا للإصلاح المالي والإداري، بما يعيد الثقة بقدرة لبنان على تنفيذ التزاماته، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعاون مع صندوق النقد والبنك الدولي.
يحمل الوفد اللبناني الرسمي إلى اجتماعات الخريف مزيجًا من الخطوات الإصلاحية والتحديات العالقة، فالموازنة المتوازنة وإعادة هيكلة المصارف ومكافحة التهرّب الضريبي خطوات إيجابية في الاتجاه الصحيح، لكنها تبقى بحاجة إلى استقرار سياسي وتنسيق وطني شامل. نجاح لبنان في واشنطن سيعتمد على مدى قدرته على تحويل هذه الوعود إلى إصلاحات ملموسة تعيد الثقة وتفتح الباب أمام الدعم المالي المنتظر.