تتكشف ملامح التحول الميداني في غزة مع بدء الجيش الإسرائيلي تنفيذ خطته للانسحاب من القطاع، وفق ما كشفته صحيفة “معاريف” العبرية، في تقرير سلط الضوء على تفاصيل التحركات العسكرية التي تسبق دخول اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى حيز التنفيذ.
الجيش الإسرائيلي أنهى استعداداته لسحب خمس فرق عسكرية بشكل متزامن من عمق القطاع، والتمركز على ما يسمى بـ“الخط الأصفر”، وهو الحد الفاصل الجديد الذي جرى التفاهم عليه ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق.
التحركات ستتم خلال ساعات قليلة من تصديق الحكومة على الاتفاق، بما يمثل الانعطافة العملية الأولى في مسار الحرب المستمرة منذ أشهر.
خطة الانسحاب لا تقتصر على إعادة الانتشار، بل تحمل في طياتها اختبارًا أمنيًا وسياسيًا معقدًا، فالمخاوف الإسرائيلية تتعلق بعودة عشرات الآلاف من النازحين إلى مدينة غزة، واحتمال أن تحاول المقاومة استعراض حضورها أو إطلاق نيران رمزية بعد خروج القوات. ولهذا، ترافق العملية مظلة جوية مكثفة لتأمين تحرك القوات وتقليل الخسائر المحتملة في مرحلة الانتقال.
المسار الزمني الذي وضعته تل أبيب يشمل مصادقة مجلس الوزراء الأمني، ثم الحكومة، يتبع ذلك انسحاب تدريجي خلال 24 ساعة، ليبدأ بعدها تنفيذ بنود الصفقة المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى.
هذه المرحلة تمثل اختبارًا مزدوجًا: من جهة، تُعد بمثابة إعلان ضمني لانتهاء العمليات البرية الواسعة داخل غزة؛ ومن جهة أخرى، تُبقي الباب مفتوحًا أمام عودة التصعيد في حال حدوث خرق من أي طرف.
في الخلفية، يبرز الدور الأمريكي كضامن رئيسي للاتفاق فواشنطن، عبر مبعوثيها ومستشاري الرئيس دونالد ترامب، تشرف على الخطوات الميدانية والسياسية بالتوازي مع استعدادات لزيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي إلى إسرائيل خلال الأيام المقبلة.
هذا الحضور الأمريكي المكثف يعكس حجم الرهان على نجاح الاتفاق في تحقيق تهدئة قابلة للاستمرار، ولو مؤقتًا، وسط ضغوط داخلية كبيرة تواجهها حكومة بنيامين نتنياهو من جناح اليمين المتشدد الذي يرفض مبدأ الانسحاب دون “نصر حاسم”.
في المحصلة، الانسحاب الإسرائيلي من غزة لا يمثل نهاية الحرب بقدر ما يفتح مرحلة جديدة من إدارة الصراع. فبين ضغوط الداخل الإسرائيلي، وتعقيدات الواقع الميداني في القطاع، وتوازنات القوى الإقليمية، تبدو إسرائيل أمام تحدي إثبات أن التراجع خطوة إلى الوراء قد يفتح أمامها طريقًا إلى تهدئة أوسع، أو يجرها مجددًا إلى جولة أكثر عنفًا.