دعا رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، الأكراد السوريين إلى التحرك بسرعة نحو دمشق وفتح مكتب سياسي يمثلهم، معتبرًا أن سوريا تواجه "فرصتها الأخيرة" لتحقيق استقرار بعد سنوات طويلة من الصراع والعنف.
جاءت تصريحات بارزاني خلال مشاركته في منتدى معهد الشرق الأوسط للأبحاث في أربيل، حيث شدد على أن ما يحدث في سوريا يمثل مرحلة حاسمة للبلاد، داعياً المجتمع الدولي إلى دعم السوريين في عبور هذه المرحلة وبناء دولة جديدة قائمة على التعددية والمشاركة لجميع المكونات.
وأشار بارزاني إلى أن الشعب السوري عانى طويلاً ويستحق حياة أفضل، محذراً الأطراف المحلية من انتظار الحلول الخارجية، ومؤكداً أن على الجميع تحمل مسؤولياتهم داخلياً لضمان انتقال البلاد إلى مرحلة جديدة من الاستقرار.
نموذج اللامركزية والحكم التشاركي
وقال بارزاني إن أحد أبرز العوائق أمام الحل السياسي في سوريا يكمن في النهج المركزي التقليدي، الذي لا يمكن أن يستمر في بلد متعدد المكونات. وأوضح أن سوريا تتكون من عرب ومسيحيين وأكراد وغيرهم، لذا فإن إعادة إنتاج الحكم المركزي سيكون مدمراً ويعطل أي مسار إصلاحي.
وأشار إلى أنه ناقش هذه القضية مع الرئيس السوري أحمد الشرع، مؤكدًا أن منح الإدارة الحالية فرصة لمعرفة أفضل مسار للبلاد يعتبر خطوة ضرورية، لكن تغيير الأسماء أو المناصب وحده لا يكفي لتحقيق تمثيل حقيقي للمكونات السورية كافة.
دعوة مباشرة للأكراد السوريين
وجه بارزاني رسالة مباشرة إلى "قوات سوريا الديمقراطية"، داعياً إياهم إلى الذهاب سريعاً إلى دمشق وفتح مكتب سياسي، معتبرًا أن عليهم أن يروا أنفسهم أصحاب وطن وليسوا ضيوفًا.
وأضاف أن الاتفاق مع دمشق هو الحل الأفضل، موضحًا أن المطالبة بالانضمام الكامل للجيش السوري غير مقبولة، لكن يمكن التوصل إلى تسوية تحافظ على مكانتهم ودورهم في إدارة شؤون مناطقهم.
واستشهد بارزاني بتجربة الأكراد في العراق بعد عام 2003، قائلاً إن مشاركتهم في العملية السياسية في بغداد ساعدت على تحقيق التوازن بين المكونات العراقية، وهذه هي الرسالة للأكراد السوريين: دمشق هي عاصمتكم، وشاركوا في تقرير مستقبل بلدكم.
تحذير من تدخل حزب العمال الكردستاني
وحذر بارزاني من أن استمرار تدخل حزب "العمال الكردستاني" في شؤون شمال شرقي سوريا سيعيق أي تقدم سياسي، مؤكدًا أن على الحزب عدم التدخل في إدارة المنطقة، وإلا فلن تُحل المشكلات.
وأضاف أن دور أربيل دائمًا كان داعمًا للأكراد السوريين، وأنهم قادرون على إدارة شؤونهم بأنفسهم دون وصاية خارجية. وشدد على أن عصر الحروب الداخلية بين الأكراد قد انتهى، وأن العلاقات بين أربيل والأكراد السوريين قد تمر بفترات من التقارب أو البرود، لكنها تبقى قائمة على مبدأ ثابت.
خاتمة: لامركزية وحقوق متساوية
ختامًا، أكد بارزاني أن الحل السياسي في سوريا يجب أن يقوم على اللامركزية والمشاركة الحقيقية لجميع المكونات، مع ضمان شعور كل السوريين بأنهم أصحاب وطنهم. ودعا إلى تبني نموذج يسمح بإدارة شؤون البلاد بشكل يشمل الجميع، بعيدًا عن أي محاولات لإعادة إنتاج الحكم المركزي الذي فشل في الماضي.
ويُنظر إلى تصريحات بارزاني على أنها دعوة عاجلة للحوار بين دمشق والأكراد السوريين، في محاولة لتحقيق استقرار شامل قبل فوات الفرصة التي اعتبرها "الأخيرة" لسوريا.
كقائد كردي عراقي، ينطلق نيجيرفان بارزاني من خبرة تجربة الأكراد في العراق بعد عام 2003، حيث تمكنوا من الاندماج في العملية السياسية الوطنية وتحقيق توازن بين المكونات المختلفة، بدل الانعزال أو الاعتماد على القوة المسلحة فقط. هذا المنظور يجعله يرى أن الاستقرار الدائم للأكراد السوريين مرتبط بوجودهم داخل إطار الدولة السورية الرسمية، وليس ككيان منفصل أو تحت وصاية جهات خارجية.
دعوة بارزاني للأكراد السوريين بالذهاب إلى دمشق وفتح مكتب سياسي تحمل أكثر من بعد: أولاً، تأكيد حقوقهم كمكوّن أساسي في سوريا، بحيث يكون لهم دور سياسي واداري شرعي في اتخاذ القرارات، بدلاً من البقاء ضيوفاً أو مراقبين على شؤون مناطقهم. ثانياً، تهدف هذه الخطوة إلى تحجيم تأثير الأحزاب المسلحة الخارجية، مثل حزب العمال الكردستاني، والتي قد تعيق أي تقدم سياسي وتزيد التوتر بين الأكراد والدولة السورية.
من الناحية الاستراتيجية، يرى بارزاني أن الحوار المباشر مع دمشق يوفر للأكراد حماية لمكتسباتهم ويعزز فرص المشاركة الفعلية في الحكم المحلي واللامركزي، بعيداً عن النزاعات المسلحة أو التوترات الإقليمية. وبذلك، يضمن الأكراد السوريون حقوقهم في صيغة سياسية قابلة للاستمرارية، ويحافظون على دورهم كمكوّن أساسي في سوريا المستقبلية، بدل الاعتماد على تحالفات عابرة أو دعم خارجي قد يكون غير مستقر.