بعد شهور من القتال العنيف والمآسي الإنسانية في قطاع غزة، أعلنت حركة "حماس" مساء الأربعاء التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب الدائرة منذ عامين ويقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية ودخول المساعدات الإنسانية وتبادل الأسرى. جاء الإعلان بعد جولات تفاوض مكثفة في مدينة شرم الشيخ المصرية، قادتها مصر وقطر وتركيا برعاية مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وصف الاتفاق بأنه "المرحلة الأولى في خطة سلام تاريخية للشرق الأوسط".
المفاوضات التي استمرت على مدى يومين في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر، شهدت لحظات توتر متكررة قبل أن يُعلن الوسطاء مساء أمس عن "انفراجة جزئية" تمهّد لتوقيع المرحلة الأولى من اتفاق وقف الحرب في غزة.
مصادر فلسطينية أكدت أن الاتفاق يشمل وقفاً فورياً لإطلاق النار وانسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية من شمال القطاع، مقابل إفراج حماس عن عشرين محتجزاً إسرائيلياً أحياء، على أن تبدأ مراحل تبادل الأسرى خلال الأسبوع المقبل بإشراف مصري – قطري مشترك.
ترامب الذي تابع المفاوضات من واشنطن، أعلن أن الطرفين "وقّعا المرحلة الأولى من خطة التهدئة"، مشيراً إلى أن وزير خارجيته "كان على تواصل دائم مع القاهرة لإنهاء الصياغة النهائية للاتفاق".
وأضاف الرئيس الأميركي أنه يدرس زيارة الشرق الأوسط خلال الأيام المقبلة "لضمان التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق"، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لتكريس دوره كعرّاب لاتفاق السلام الجديد.
في المقابل، رحبت حركة "حماس" بالاتفاق واعتبرته "انتصاراً سياسياً بعد صمود ميداني"، مؤكدة أن "تضحيات الشعب الفلسطيني لن تذهب هدراً"، ودعت الدول الضامنة إلى "إلزام إسرائيل بتطبيق الاتفاق وعدم السماح لها بالمماطلة أو التنصل من التزاماتها".
أما في إسرائيل، فصدرت مواقف متباينة؛ إذ وصف رئيس الوزراء الاتفاق بأنه "خطوة ضرورية لإعادة الأسرى"، بينما حذر وزراء من اليمين من "الوقوع في فخ التهدئة"، معتبرين أن الانسحاب دون حسم عسكري "يمثل تنازلاً خطيراً لحماس".
وبحسب المعلومات المتقاطعة من عدة مصادر، فإن البنود الأساسية للاتفاق تتضمن:
وقفاً متبادلاً وشاملاً لإطلاق النار خلال 24 ساعة من توقيع المرحلة الأولى.
انسحاب القوات الإسرائيلية إلى حدود محددة مسبقاً في الأطراف الشرقية للقطاع.
بدء عمليات تبادل الأسرى وفق قوائم تم تبادلها عبر الوسطاء.
فتح المعابر لدخول المساعدات والوقود بشكل منظم تحت إشراف أممي.
التزام الأطراف ببحث إدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة ضمن إطار دولي – فلسطيني مشترك.
ورغم التفاؤل الحذر الذي ساد الأوساط السياسية، حذر مراقبون من هشاشة الاتفاق، مشيرين إلى أن الضمانات الأميركية والتركية وحدها قد لا تكفي لضمان التزام إسرائيل بالانسحاب الكامل أو الإفراج عن دفعات الأسرى اللاحقة. كما لفتت مصادر مصرية إلى أن تنفيذ البنود مرهون بـ"هدوء ميداني تام"، وأن أي خرق من أحد الطرفين قد يعيد الوضع إلى المربع الأول.
التحليلات الإسرائيلية الأولية اعتبرت أن الاتفاق "يشكل انتصاراً دبلوماسياً لحماس بعد عام من المعارك"، بينما رأت أوساط عربية أن الوساطة المصرية استعادت من خلاله زمام المبادرة السياسية في ملف غزة، بعد أن كادت تتجاوزه محاولات وساطة إقليمية.
اتفاق شرم الشيخ، وإن كان يمثل بارقة أمل لوقف الحرب الأكثر دموية في تاريخ القطاع، إلا أنه لا يضمن حتى الآن حلولاً نهائية لملفات جوهرية مثل مستقبل سلاح المقاومة، وإدارة غزة، وإعادة الإعمار.
الخبراء يرون أن ما تحقق هو وقف نزيف الدم وليس سلاماً دائماً، وأن المرحلة المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه التفاهمات مقدمة لتسوية سياسية أوسع، أم هدنة مؤقتة تسبق جولة جديدة من التصعيد.