أعاد توقيف طبيب أطفال في محافظة دير الزور إلى الواجهة الجدل حول استمرار العمل بالسجلات الأمنية القديمة التي تعود إلى ما قبل التغييرات السياسية في سوريا، رغم القرارات الرسمية السابقة التي نصّت على تعليق مذكرات الملاحقة الصادرة خلال حقبة النظام السابق.
وأفادت معلومات من داخل المحافظة بأن فرع الأمن الجنائي في دير الزور أوقف الطبيب معصوم علي سليمان، المقيم في مستشفى "أحمد هويدي"، بعد مراجعة الفرع للحصول على وثيقة “لا حكم عليه”، ليُبلّغ بوجود سجل أمني قديم (فيش) بحقه، يتهمه بالتعامل مع "قوات سوريا الديمقراطية".
ملف قديم يعيق حياة مهنية
ووفق روايات مقربين من الطبيب، فإن القضية تعود إلى سنوات سابقة حين أُدرج اسمه في قوائم المطلوبين بناءً على تقارير أمنية تعود لفترة النزاع. ورغم صدور قرارات عامة بوقف العمل بتلك السجلات، إلا أن الطبيب فوجئ بإعادة تفعيلها خلال معاملته الرسمية الأخيرة.
أفراد من عائلة الطبيب أوضحوا أن معصوم لم يقم في مناطق تابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، بل عاش منذ عام 2017 في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، حيث واصل عمله في المشافي والمراكز الطبية. كما أكدوا أنه خلال سنوات الحرب الأولى عمل في المشافي الميدانية داخل دير الزور لتقديم الخدمات الطبية للمدنيين، ورفض مغادرة البلاد رغم العروض المتكررة للعمل في الخارج.
ويواجه الطبيب حالياً وضعاً قانونياً معقّداً، في ظل غموض الإجراءات المتبعة لمعالجة القضايا التي صدرت بحق مهنيين خلال فترات الاضطراب الأمني والسياسي في البلاد.
تحرك رسمي ومطالبات بالإفراج
مدير صحة دير الزور، الدكتور يوسف سطّام، أكد أنه يتابع القضية بشكل مباشر، مبيناً أنه تواصل مع قيادة شرطة المحافظة للوقوف على تفاصيل التوقيف، واتخاذ ما يلزم لضمان إطلاق سراح الطبيب واستمرار عمله.
وأوضح أن الجهات الصحية في المحافظة حريصة على حماية الكوادر الطبية ودعم استقرارها المهني، مشيراً إلى أن استمرار العمل ببعض السجلات الأمنية القديمة يخلق إرباكاً في المؤسسات الطبية التي تعاني أصلاً من نقص في الكوادر.
جدل متجدد حول العدالة الانتقالية
قضية الطبيب معصوم سلطت الضوء مجدداً على الإرث الأمني المعقّد الذي ما زال يطارد العديد من العاملين في القطاعين العام والخاص ممن ارتبطت أسماؤهم بقضايا سياسية خلال السنوات الماضية.
ويرى حقوقيون أن هذه الحالة تكشف الحاجة إلى إصلاح شامل للسجلات الأمنية وإعادة النظر في مذكرات التوقيف التي لم تخضع لمراجعة قانونية دقيقة، وذلك لضمان العدالة وتفادي الأخطاء التي تمس حياة الأفراد وحقوقهم المدنية.
الناشط الحقوقي علي المقداد أشار في تصريحات صحفية إلى ضرورة تشكيل لجنة وطنية مستقلة لمراجعة الملفات الأمنية القديمة وتحديثها وفق المعايير القانونية الجديدة، مؤكداً أن استمرار توقيف المهنيين على خلفية ملفات قديمة "يهدد الثقة العامة بالمؤسسات، ويخلق شعوراً بعدم الأمان لدى الكفاءات التي يفترض أن تكون جزءاً من عملية إعادة الإعمار".
وأضاف المقداد أن معالجة هذه القضايا لا تتعلق بالأفراد فقط، بل بمستقبل بيئة العمل في سوريا، معتبراً أن "تكرار مثل هذه الحوادث يعرقل عودة الخبرات، ويغذي الإحساس بأن الدولة لم تطوِ بعد صفحة الماضي الأمني".
إلغاء ملاحقات بآلاف القضايا
وكانت وزارة العدل قد أعلنت في وقت سابق إلغاء مذكرات ملاحقة شملت أكثر من 287 ألف قضية مرتبطة بـ68 نوعاً من الجرائم، في خطوة هدفت إلى معالجة آثار القرارات الاستثنائية التي صدرت خلال العقود الماضية.
وشمل القرار وقف مذكرات البحث الصادرة عن القضاء العسكري وإلغاء النشرات الشرطية، إضافة إلى رفع القيود عن السفر بالنسبة للآلاف ممن شملهم العفو. ورغم هذه الخطوة، يرى مراقبون أن تطبيق القرارات على أرض الواقع لا يزال متفاوتاً بين المحافظات.
وبينما تتابع الجهات الرسمية في دير الزور ملف الطبيب الموقوف، يرى ناشطون أن القضية تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة السلطات على تحويل التوجهات القانونية الجديدة إلى واقع ملموس، ينهي سنوات من المعاناة التي سببتها السجلات الأمنية القديمة لمئات المهنيين في سوريا.