يشهد القطاع العام اللبناني حالة تصعيدية جديدة، مع مطالب واضحة بتصحيح الرواتب والمعاشات، في ظل تراجع القدرة الشرائية وتأخر الحكومة في تنفيذ الوعود المتعلقة بتحسين الأجور، الاجتماع الأخير للجنة تنسيق روابط القطاع العام المدنية والعسكرية يبرز التوتر بين واقع الرواتب الحالية ومتطلبات العاملين والمتقاعدين، ويكشف عن استراتيجية واضحة للمطالبة بالإصلاح المالي والاجتماعي.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية للمطالب:
يشدد العاملون والمتقاعدون في القطاع العام على ضرورة تصحيح فوري للرواتب بنسبة لا تقل عن ٥٠٪، مع تحديد آلية تقييم بالدولار وزيادة دورية بنسبة ١٠٪ كل ستة أشهر، ما يعكس رغبتهم في استعادة القدرة الشرائية كما كانت قبل عام ٢٠١٩. هذا المطلب ليس مجرد رغبة مالية، بل يعكس حاجة ملحة لتأمين استقرار اجتماعي ومنع المزيد من الاحتقان في الأوضاع المعيشية.
تمويل السلسلة والإصلاحات المرتبطة بها:
يشير المجتمعون إلى أن تمويل سلسلة الرواتب الجديدة ممكن عبر ضبط مكامن الهدر والفساد، من الأملاك البحرية والنهرية، إلى ضبط الجمارك ومكافحة التهرب الضريبي، بالإضافة إلى مراجعة أجور الأبنية المستأجرة. هذا التوجه يعكس وعيًا بأهمية معالجة البنية المالية للدولة كجزء من الإصلاح الاقتصادي الشامل، وربط المطالب الفورية بالإصلاحات المستدامة.
البعد التنظيمي والاستراتيجي:
تأسيس هيئة تنسيق جديدة باسم "تجمع روابط العاملين والمتقاعدين في القطاع العام المدني والعسكري في لبنان" يعكس خطوة استراتيجية لتوحيد المطالب وتحسين قدرة القطاع العام على التفاوض مع الجهات الرسمية. الإعلان عن هذا التجمع وبرنامجه في مؤتمر صحافي مستقبلي سيشكل أداة ضغط إضافية على الحكومة لضمان تحقيق المطالب بشكل عملي ومنظم.
تظهر المطالب الجديدة للقطاع العام أنها ليست مجرد مطالب مالية فورية، بل خطوة ضمن استراتيجية أوسع لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والعاملين فيها، وتعزيز القدرة الشرائية وحماية الاستقرار الاجتماعي. نجاح هذه الخطوات يعتمد على قدرة الحكومة على التوازن بين تلبية الاحتياجات الملحة للموظفين والمتقاعدين، وبين تنفيذ الإصلاحات المالية والضبط المالي للموارد العامة بشكل فعّال ومستدام.