ما بعد الانتخابات السورية: لبنان في انتظار تسوية تعيد التوازن إلى ملف النزوح

2025.10.08 - 05:42
Facebook Share
طباعة

جاءت الانتخابات التشريعية السورية الأخيرة في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، لتضيف بعداً رمزياً أكثر منه عملياً إلى المشهد السياسي في دمشق، فبينما أرادت السلطات السورية الإيحاء بانتقال البلاد إلى مرحلة جديدة من «الاستقرار المؤسسي»، تطرح هذه الخطوة تساؤلات أعمق في لبنان، حيث تتداخل نتائجها – وإن بشكل غير مباشر – مع واحد من أكثر الملفات تعقيداً في المنطقة: ملف النازحين السوريين.
هذا الملف، الذي تجاوز عمره العقد من الزمن، لم يعد قضية إنسانية فحسب، أصبح محوراً سياسياً واقتصادياً وأمنياً يؤثر على توازنات الداخل اللبناني وعلى علاقاته الخارجية في آنٍ واحد.

تحول سياسي محدود الأثر:

الانتخابات، رغم طابعها التنظيمي والرمزي، لم تُحدث تحولاً ملموساً في بنية النظام السوري أو في موقعه الإقليمي. إذ بقيت النتائج ضمن الإطار المتوقع، من دون إشارات على فتح مسارات جديدة في الملفات الداخلية أو على نية إعادة النظر في العلاقة مع دول الجوار.
وبالتالي، لم ينعكس هذا الاستحقاق على ملف النازحين الذي يشكل هاجساً مزمناً للبنان، بل أعاد تسليط الضوء على الجمود السياسي المحيط به منذ سنوات.

لبنان بين الضغط الديموغرافي والإنهاك الاقتصادي:

يستمر لبنان في مواجهة أعباء النزوح التي تتجاوز طاقته الاستيعابية، سواء من حيث الكثافة السكانية أو كلفة الخدمات أو تأثيراتها الأمنية والاجتماعية، فالأعداد الضخمة للنازحين تتزامن مع أزمة اقتصادية خانقة يعيشها اللبنانيون، مما يجعل النزوح أحد أبرز عوامل الضغط على البنية الوطنية الضعيفة أصلاً.
ورغم إدراك الجميع لخطورة استمرار الوضع الراهن، تبقى المعالجة الفعلية معلّقة على قرار لا يملكه لبنان وحده.

غياب إرادة دولية للحل:

تبدو مواقف المجتمع الدولي متناقضة حيال قضية العودة فبينما تتكثف التصريحات الداعية إلى «العودة الآمنة والطوعية»، تغيب الإجراءات الواقعية لتحقيقها. كما أنّ التمويل المخصص لإعادة إعمار سوريا لم يُوجَّه بعد لتأهيل المناطق القادرة على استقبال العائدين، ما يعمّق الشعور بأن الملف يُدار سياسياً أكثر مما يُعالج إنسانياً.
ويقرأ مراقبون هذا الجمود في ضوء رغبة بعض القوى الدولية في إبقاء النزوح ورقة ضغط على الحكومة اللبنانية، سواء في مفاوضاتها الإقليمية أو في ملفاتها الداخلية.

سيناريوهات محتملة لمستقبل الملف:

1. استمرار الوضع الراهن
وهو السيناريو الأرجح على المدى القريب، حيث يبقى النزوح قائماً من دون حلول جذرية، مع بعض المبادرات المحدودة لإعادة أعداد صغيرة بشكل تدريجي.
هذا السيناريو يعني استمرار الضغط على لبنان، وتراجع قدرة مؤسساته على الصمود الاقتصادي والاجتماعي.


2. انطلاق عودة منسقة جزئياً
قد تشهد المرحلة المقبلة توافقاً جزئياً بين بيروت ودمشق برعاية عربية محدودة، يتيح عودة دفعات منظمة من النازحين إلى مناطق سورية محددة تعتبر «آمنة نسبياً».
نجاح هذا السيناريو يتطلب تمويلاً دولياً وإشرافاً أممياً يضمن الحد الأدنى من الأمان.


3. تحريك الملف ضمن تسوية إقليمية أوسع
وهو السيناريو الذي يربط مصير النزوح بإعادة رسم التوازنات الإقليمية، أي مع تحسّن العلاقات السورية – العربية وتبدّل الموقف الغربي من دمشق.
في حال تحقق هذا المسار، يمكن للبنان أن يشهد انفراجاً تدريجياً مع إدماج العودة في إطار إعادة إعمار سوريا.


4. التحوّل نحو إدارة طويلة الأمد للأزمة
إذا تعذّر الحل السياسي، قد يتجه المجتمع الدولي إلى مقاربة "الاندماج المرحلي"، أي بقاء جزء كبير من النازحين في لبنان ضمن برامج دعم اجتماعي واقتصادي طويلة الأمد، وهو ما سيغيّر ملامح الواقع اللبناني على المدى البعيد.

 

الانتخابات السورية، رغم رمزيتها، لم تغيّر في المعادلة القائمة: لبنان ما زال في قلب أزمة النزوح، فيما القرار الفعلي بيد القوى الدولية والإقليمية التي تتحكم بمسار الحل.
وبين انتظار التفاهمات الكبرى ومحاولات الحلول الموضعية، يبقى لبنان أمام اختبار صعب: كيف يوازن بين التزاماته الإنسانية وقدرته على البقاء كدولة مستقرة وسط ضغوط تتجاوز حدوده الجغرافية والاقتصادية؟ 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4