قبل أيام من إعلان الفائز بجائزة نوبل للسلام لعام 2025، يشتد الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية حول ما إذا كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يستحق التكريم العالمي الأرفع في مجال السلم الدولي. وبينما يحاول ترامب إقناع العالم بأنه “صانع سلام” من الطراز الأول، يرى خبراء ودبلوماسيون أن إرثه السياسي، القائم على الانعزال والمواجهة، يقف على النقيض من فلسفة الجائزة التي تأسست على مبدأ التعاون الإنساني ونزع السلاح.
من "صفقات" إلى "نزاعات".. صورة ترامب أمام لجنة نوبل
يُعد ترامب واحدًا من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في المشهد العالمي، إذ يقدّم نفسه بوصفه رجل الصفقات وصاحب المبادرات الجريئة في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، غير أن تقييم لجان نوبل النرويجية يذهب في الاتجاه المعاكس، معتبرة أن “السلام لا يُقاس بالتصريحات ولا بالاتفاقات المؤقتة، بل بما يُنجز فعلاً على الأرض”.
وفقًا لتصريحات رئيس لجنة نوبل للسلام يورغن واتن فريدنس، فإن اللجنة “تنظر إلى الصورة الكاملة، لا إلى لحظة سياسية أو حملة انتخابية”، في إشارة غير مباشرة إلى أن مبادرات ترامب – خاصة المتعلقة بأزمة غزة – لم تثبت بعد قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة في إنهاء الصراع أو بناء سلام دائم.
فلسفة الجائزة.. ومعايير تتناقض مع "أميركا أولاً"
جائزة نوبل للسلام تُمنح، بحسب وصية ألفريد نوبل، لمن يعمل على تعزيز الأخوّة بين الشعوب وتقوية التعاون الدولي ونزع السلاح. وهي مبادئ تتناقض جذريًا مع سياسة “أميركا أولاً” التي طبّقها ترامب خلال ولايته، والتي شملت الانسحاب من منظمات واتفاقيات دولية، وفرض حروب تجارية حتى على الحلفاء التقليديين، فضلاً عن المواقف المتشددة تجاه المهاجرين والإعلام والمعاهدات البيئية.
تقول نينا غرايغر، مديرة معهد أبحاث السلام في أوسلو، إن “ترامب حاول تقديم نفسه وسيطًا في غزة، لكنه في الوقت ذاته أضعف فكرة العمل المتعدد الأطراف، وهو ما ينسف أساس التعاون الدولي الذي تقوم عليه نوبل”.
مرشحون آخرون... ورسالة نرويجية إلى العالم
في المقابل، يبدو أن لجنة نوبل هذا العام تتجه لتكريم أسماء أو منظمات ترتبط بقيم العدالة والحقوق والشفافية، مثل شبكة "غرف الطوارئ" السودانية، أو أرملة المعارض الروسي أليكسي نافالني، أو منظمات الأمم المتحدة العاملة في مجالات اللاجئين وحقوق الإنسان، وربما هيئات الدفاع عن حرية الصحافة مثل "مراسلون بلا حدود".
يرى محللون في أوسلو أن منح الجائزة إلى إحدى هذه الجهات سيكون بمثابة “رسالة واضحة ضد عودة الشعبوية والانغلاق”، وتأكيدًا على تمسّك أوروبا بمبادئ القانون الدولي، في لحظة تتراجع فيها منظومات السلم العالمي أمام تصاعد الصراعات.
هل تُعاقب نوبل ترامب سياسياً؟
بالرغم من أن لجنة الجائزة تؤكد استقلالها عن الحسابات السياسية، إلا أن استبعاد ترامب يحمل دلالة رمزية عميقة. فالنرويج، الدولة التي تستضيف لجنة نوبل، تُعد من أبرز داعمي النظام الدولي متعدد الأطراف، وهو النموذج الذي حاربه ترامب خلال سنواته في البيت الأبيض.
لذلك يرى بعض المراقبين أن اللجنة “لن تُجازف بتكريم زعيم ينتمي إلى التيار القومي الشعبوي، في وقت تسعى فيه إلى إعادة الاعتبار للقيم الليبرالية بعد سنوات من التراجع”.
سواء أكانت جائزة نوبل للسلام ستذهب إلى منظمة إنسانية أو إلى شخصية حقوقية، فإن المؤكد أن دونالد ترامب لن يكون على لائحة الفائزين هذا العام. ليس لأن اللجنة تتبنى موقفًا سياسيًا ضده، بل لأن مفهومه للسلام يختلف جذريًا عن المفهوم الذي وُلدت من أجله الجائزة منذ أكثر من قرن.
وفي عالمٍ تتكاثر فيه النزاعات وتتراجع فيه لغة الدبلوماسية، تبدو جائزة نوبل للسلام هذا العام اختبارًا لقدرتها على التمييز بين “الضجيج السياسي” و“العمل الحقيقي من أجل السلام”.