بعد نحو عقدين على رحيل أشرف مروان في واحدة من أكثر القضايا غموضًا في تاريخ الاستخبارات العربية، عادت الصحافة الإسرائيلية لتفتح الجرح القديم من جديد، وهذه المرة عبر الصحفية "سمادار بيري" التي زعمت أنها حصلت على "اعترافات خاصة" من الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، تتهم العقيد الليبي معمر القذافي بتدبير عملية اغتيال مروان في لندن عام 2007.
لكن ما بين الرواية الإسرائيلية وما كشفه لاحقًا أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، تتقاطع خيوط السياسة والاستخبارات والذاكرة التاريخية في ملف لم يُغلق بعد.
القذافي في دائرة الاتهام
في مقالها بصحيفة يديعوت أحرونوت بعنوان "ملاك الموت"، كتبت بيري أن مبارك أبلغها شخصيًا أن "القذافي هو من أرسل فريق الاغتيال إلى لندن"، نافيًا بشكل قاطع أي صلة للمخابرات المصرية أو الإسرائيلية بالقضية.
وبحسب بيري، فقد تحدث مبارك عنها بحدة قائلاً:
"ليست إسرائيل ولا مصر... القذافي هو من دبّر الاغتيال."
وادعت الصحفية أن القذافي كان يمول ما عُرف بـ"منظمة الثورة المصرية"، وهي جماعة مسؤولة عن اغتيال دبلوماسيين إسرائيليين في القاهرة منتصف الثمانينيات، ما يجعل فرضية انتقام ليبي محتملة من وجهة نظرها.
مروان بين الولاء والخداع
تسعى الرواية الإسرائيلية الجديدة لإعادة صياغة صورة مروان، فبعد سنوات من اعتباره "الجاسوس المزدوج" الذي أبلغ إسرائيل عشية حرب أكتوبر، تحاول بيري إعادة الاعتبار له عبر القول إنه "خدع الموساد لسنوات طويلة"، أي أنه كان يعمل لصالح مصر، وليس ضدها.
وهو ما يلتقي مع تصريحات مبارك الذي وصفه بـ"البطل التاريخي"، وأشار إلى أن جنازته الرسمية عام 2007، التي شارك فيها جمال مبارك، ولفّ نعشه بالعلم المصري، لم تكن لتُقام بتلك الهيبة لو لم يكن يحظى بتقدير رسمي كبير.
أبو الغيط يروي: السادات هو من حرّك الخيوط
وفي موازاة الرواية الإسرائيلية، كشف أحمد أبو الغيط تفصيلاً جديدًا حين قال إن السادات نفسه اعترف لمبارك قائلاً:
"أصل يا حسني أنا باشغله على الإسرائيليين... أنا بس."
أي أن السادات كان يستخدم مروان لتسريب معلومات مضللة لتل أبيب، في إطار خطة استخبارية دقيقة لخداعها عشية الحرب.
بهذا المعنى، يصبح مروان "أداة وطنية" ضمن لعبة أكبر، هدفها حماية خطة الحرب، لا خيانة الوطن كما روّجت بعض الأوساط.
بين هيكل و"يديعوت": من يملك الرواية الأخيرة؟
الصحفية بيري أعادت أيضًا فتح خلاف قديم بين مروان ومحمد حسنين هيكل، الذي اتهمه في حياته بالخيانة وبدعم رواية الموساد. لكنها ألمحت إلى أن هيكل نفسه "دفع ثمنًا سياسيًا" قبل اغتيال السادات، إذ سُجن في ما وصفته بـ"الانتقام السياسي"، في إشارة إلى أن صراعات النخبة المصرية حينها تجاوزت مجرد الاختلاف في التقييم إلى تصفية الحسابات داخل النظام.
محاولات إسرائيلية لإعادة كتابة التاريخ
إعادة فتح قضية مروان في الصحافة الإسرائيلية اليوم لا تبدو بريئة. فالقضية، التي حسمتها القاهرة رسميًا منذ سنوات بتكريمه ودفنه في جنازة عسكرية، تحولت إلى مادة تستخدمها بعض الأقلام الإسرائيلية لإعادة بناء رواية حرب أكتوبر بما يخدم فكرة "التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي".
غير أن الإصرار المصري، الرسمي والشعبي، على اعتبار مروان "بطلاً وطنياً" يجعل تلك المحاولات جزءًا من حرب الروايات بين القاهرة وتل أبيب، التي لم تتوقف منذ خمسين عامًا.
بطل بين الأسطورة والظل
بين اتهامات القذافي، وتكريم الدولة، ومحاولات "يديعوت" لإغلاق الملف بطريقتها، يظل أشرف مروان أحد أكثر الشخصيات غموضًا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
ربما رحل دون أن ينطق بالحقيقة كاملة، لكن ما تكشّف من شهادات السادات ومبارك وأبو الغيط يجعل كفة الوطنية هي الأرجح.
فكما قال مبارك ساخرًا في ختام حديثه مع بيري:
"اسألوا منى عبد الناصر... هي وحدها تعرف الحقيقة."