تواجه العاصمة بيروت ومناطق المتن وكسروان مجدداً خطر تكدّس النفايات في الشوارع، بعد إعلان شركة جمع النفايات «رامكو» توقّفها عن العمل نتيجة إقفال مطمر الجديدة الذي وصل إلى أقصى قدرته الاستيعابية، في أزمة بيئية تتكرّر للمرة الثانية خلال أقل من عامين.
فقد أعلنت الشركة أمس توقف عملياتها بسبب امتلاء المطمر بشكل نهائي وعدم قدرته على استقبال المزيد من النفايات، ما دفع السلطات المعنية إلى سلسلة اجتماعات طارئة في محاولة لتفادي تراكم القمامة في الشوارع خلال الأيام المقبلة.
أزمة متوقعة منذ أشهر
بحسب المعنيين بالملف، فإن امتلاء المطمر لم يكن مفاجئاً، إذ إن التحذيرات من وصوله إلى هذه المرحلة تكررت منذ أشهر، سواء من الشركة المشغّلة للمطمر أو من البلديات المعنية. وكانت الجهات الفنية قد طالبت مراراً بتجهيز خلية طمر جديدة لتأمين استمرارية العمل، إلا أن المشروع لم يُنجز في الوقت المطلوب.
وخلال الأسابيع الماضية، حددت الجهات المختصة مهلاً زمنية لتدارك الأزمة، انتهت أواخر أيلول الماضي ثم مُدّدت أسبوعاً إضافياً، قبل أن تنفد المساحة المتاحة للطمر نهائياً. ومع فشل الجهود في إيجاد حل سريع، توقفت «رامكو» عن جمع النفايات من المناطق التابعة لها، ما دفع مجلس الإنماء والإعمار إلى التدخل بطلب من رئاسة الحكومة لعقد جلسة استثنائية لبحث الأزمة.
وبناء على ذلك، طُلب من المتعهّد إعادة فتح المطمر مؤقتاً لتخزين النفايات بشكل محدود، ريثما تُعقد الجلسة الحكومية المنتظرة خلال الساعات المقبلة، وهو ما سمح باستئناف عمليات الجمع مؤقتاً في بيروت والمتن وكسروان.
خلافات تعرقل الحلول
الأزمة الحالية تعيد إلى الواجهة الخلافات بين الجهات المعنية بملف النفايات. فمجلس الوزراء لم يتمكّن خلال الأشهر الماضية من حسم مصير مطمر الجديدة رغم إنجاز دراسة شاملة عن وضعه من قبل مجلس الإنماء والإعمار منذ أربعة أشهر. وقد أُسقط بند مناقشة هذه الدراسة من جدول أعمال جلستين متتاليتين بسبب اعتراض عدد من الوزراء على المقترحات المطروحة.
وفي المقابل، رفض اتحاد بلديات المتن الشمالي وبلدية الجديدة – السد – البوشرية أي توسعة جديدة للمطمر من دون ضمانات مقابلة. وتقدمت البلدية بمجموعة مطالب أبرزها الحصول على تعويضات مالية مستحقة، وإنشاء منظومة طاقة شمسية في المنطقة، ومنحها حق الاستثمار في المساحة الكاملة للمطمر مقابل تجهيز خلية الطمر الجديدة.
كما اقترحت البلدية نقل جزء من النفايات مؤقتاً إلى مطمر الكوستابرافا، ريثما يتم تجهيز الخلية الجديدة، على قاعدة «المبادلة» التي سبق تطبيقها في مراحل سابقة. إلا أن هذا الطرح يحتاج إلى موافقة الجهات المشغّلة لمطمر الكوستابرافا واتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، الذين لم يصدر عنهم حتى الآن أي موقف رسمي واضح.
تباين المواقف وتبادل الاتهامات
تتبادل الجهات المعنية الاتهامات بشأن المسؤولية عن الأزمة، بين من يرى أن «رامكو» اتخذت قرار التوقف بشكل أحادي، ومن يعتبر أن الحكومة تأخرت في اتخاذ إجراءات استباقية.
بلدية الجديدة حمّلت مجلس الوزراء مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، معتبرة أن غياب القرار الواضح بشأن توسعة المطمر أو إيجاد بديل هو السبب المباشر لتوقف العمل.
في المقابل، أكدت إدارة «رامكو» أن الشركة التزمت بالعقد الموقع مع مجلس الإنماء والإعمار، والذي يحدد نطاق عملها في بيروت والمتن وكسروان فقط، ولا يسمح لها بنقل النفايات إلى مناطق أخرى كـ«الكوستابرافا» من دون قرار رسمي وتعديل في بنود العقد.
وأشار المدير العام للشركة، وليد بو سعد، إلى أن أي تغيير في وجهة نقل النفايات سيترتب عليه كلفة إضافية كبيرة، ما يستوجب إعادة النظر في الجدولة المالية للعقد، مؤكداً أن الشركة «بانتظار تعليمات الجهات الرسمية لتحديد الوجهة النهائية للنفايات والمسؤول عن الكلفة الإضافية».
الحكومة أمام اختبار جديده
تواجه الحكومة تحدياً جديداً في إيجاد حلّ سريع ومستدام لملف النفايات، الذي يعود إلى الواجهة كلما امتلأ أحد المطامر أو توقفت شركات الجمع عن العمل. ويُنتظر أن تبحث الجلسة الحكومية المرتقبة عدداً من الخيارات، منها توسعة المطمر الحالي، أو فتح خلية طمر جديدة، أو اعتماد خطة توزيع مؤقتة للنفايات بين أكثر من موقع، إلى حين إقرار خطة وطنية شاملة لإدارة النفايات الصلبة.
ويرى خبراء في شؤون البيئة أن الحلول الجزئية التي اتبعت خلال السنوات الماضية أثبتت محدوديتها، داعين إلى اعتماد استراتيجية وطنية تعتمد على الفرز من المصدر، والتدوير، وتحويل النفايات إلى طاقة، بدلاً من الاعتماد الحصري على الطمر الذي بلغ حدوده القصوى في أكثر من منطقة.
خطر بيئي وصحي متجدد
ومع استمرار الغموض بشأن مصير المطمر، تبقى المخاوف قائمة من تراكم النفايات مجدداً في الشوارع خلال الأيام المقبلة، ما يهدد بتكرار مشاهد الأزمات السابقة التي شهدها لبنان في أعوام 2015 و2020، وما تسببت به من آثار بيئية وصحية خطيرة.
ويؤكد ناشطون بيئيون أن استمرار اعتماد الدولة على الحلول المؤقتة سيؤدي إلى تفاقم الأزمة، في ظل غياب إدارة مستدامة للملف وغياب التنسيق بين الوزارات والبلديات والشركات المتعهدة. وبينما ينتظر المواطنون حلاً عملياً، تبقى القمامة مرشحة للعودة إلى الشوارع إذا لم تتخذ قرارات حاسمة خلال الأيام القليلة المقبلة.