إقفال مطمر الكوستا برافا يفاقم أزمة بيروت

2025.10.07 - 04:53
Facebook Share
طباعة

تتجه بيروت نحو أزمة بيئية وصحية جديدة بعد إقفال مطمر "الكوستا برافا" أمام نفايات العاصمة، في ظل غياب خطة وطنية واضحة لإدارة الملف، واستمرار التجاذبات السياسية التي حولت النفايات إلى ورقة ضغط بين الأطراف، هذه التطورات تفتح الباب مجدداً أمام كابوس تراكم القمامة في الشوارع، وتعيد طرح السؤال المزمن: من يتحمل مسؤولية الفشل في إدارة أزمة النفايات؟

الإقفال المفاجئ يهدد العاصمة:

بدأت الأزمة تتصاعد حين جرى تبليغ مجلس الإنماء والإعمار وبلدية بيروت بإقفال مطمر الكوستا برافا أمام النفايات المرسلة من العاصمة، القرار جاء بعد سلسلة اجتماعات حكومية لم تُثمر عن أي حلول عملية، فيما اكتفى مجلس الوزراء بترحيل الملف إلى جلسته المقبلة.
النائب فؤاد مخزومي، الذي أثار القضية خلال لقائه رئيس الحكومة نواف سلام، حذر من أن بيروت لن تتحمل مجدداً تبعات سوء إدارة ملف النفايات، مطالباً بتحرك عاجل لتفادي انهيار بيئي جديد.

خلفيات الأزمة: فشل مزمن في إدارة الملف

منذ عام 2015، لم ينجح لبنان في وضع سياسة مستدامة لمعالجة النفايات، فالمطامر التي أُنشئت كانت مؤقتة، مثل مطمري الجديدة والكوستا برافا، لكنها تحولت إلى حلول دائمة بحكم الأمر الواقع.
الكوستا برافا أُنشئ كحل طارئ لاستيعاب نفايات بيروت وجبل لبنان، لكن طاقته الاستيعابية تجاوزت الحد المقرر منذ سنوات، فيما بقيت مشاريع التوسعة أو المعالجة البيئية تراوح مكانها بسبب الخلافات السياسية والمصالح المحلية.
وفي كل مرة يُطرح فيها خيار الإقفال، تعود النفايات لتتكدس في الشوارع قبل التوصل إلى "تسوية جديدة" تتيح للمطمر العمل مؤقتاً.

التداعيات البيئية والصحية:

يحذر خبراء البيئة من أن أي توقف في نقل النفايات إلى المطمر سيؤدي خلال أيام إلى انتشار الروائح والجراثيم والحشرات في شوارع العاصمة وضواحيها.
تراكم القمامة في المناخ الحار والرطب يرفع خطر الأمراض التنفسية والجلدية، كما يزيد من احتمالات تلوث المياه الجوفية والهواء.
ويشير مختصون إلى أن مطمر الكوستا برافا نفسه يشكل خطراً بيئياً طويل الأمد، إذ يقع بالقرب من البحر، ما يعني تسرب العصارة السامة إلى الساحل ومياه البحر المتوسط، مهدداً النظام البيئي البحري بأكمله.


التجاذبات السياسية: نفايات بمذاق الخلاف

تحولت النفايات في لبنان إلى ملف سياسي بامتياز. فكل مطمر أو خطة جديدة تصطدم بتوزيع النفوذ والمناطقية.
بلديات ترفض استقبال نفايات العاصمة دون مقابل، وأحزاب تستثمر في الامتيازات المالية والإدارية، فيما يغيب القرار المركزي الذي يوحد المعايير ويضمن العدالة في توزيع الأعباء.

بيروت تدفع الثمن:

العاصمة التي تعاني أصلاً من أزمة كهرباء ومياه، تواجه اليوم احتمال تراكم آلاف الأطنان من النفايات في شوارعها.
توقف المطمر سيؤدي إلى أزمة لوجستية حادة، إذ لا توجد مواقع بديلة جاهزة، ولا اتفاق مع شركات الجمع على وجهة جديدة للنفايات.
السيناريو الأسوأ هو تكرار مشهد عام 2015 عندما غمرت القمامة الطرقات لأشهر، وتحوّل المشهد إلى رمز عالمي لفشل الدولة اللبنانية في إدارة أبسط الخدمات.

نحو حل مستدام:

يرى خبراء البيئة أن الحل يبدأ بخطوات ثلاث:

1. إعلان طوارئ بيئية مؤقتة لإدارة الأزمة الحالية ومنع تراكم النفايات في الشوارع.

2. إطلاق خطة وطنية للفرز والمعالجة تعتمد اللامركزية وتُشرك البلديات في إدارة النفايات.

3. وقف الحلول الترقيعية التي تستنزف المال العام وتزيد الأضرار البيئية.


ويشير الخبراء إلى أن "لبنان لا يحتاج إلى مطامر جديدة بقدر ما يحتاج إلى نظام إدارة عادل وشفاف"، الأزمة الحالية هي فرصة لإعادة صياغة علاقة الدولة بالبيئة والخدمات العامة.

أزمة الكوستا برافا ليست حادثاً عابراً، وانما حلقة جديدة في سلسلة الإخفاقات اللبنانية في إدارة النفايات.
وما لم تتحول الوعود السياسية إلى خطة تنفيذية حقيقية، فإن بيروت مهددة مجدداً بأن تغرق في نفاياتها، وتغرق معها صورة الدولة ومصداقيتها أمام مواطنيها والعالم. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 3