أكد وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، بدر عبد العاطي، أن مصر تواجه أزمة وجودية حقيقية تتعلق بالمياه، وذلك خلال لقائه مع نظيره الهولندي في مؤتمر صحفي مشترك عقد اليوم الثلاثاء. وأوضح عبد العاطي أن السياسات الأحادية الجانب التي تتبعها إثيوبيا بشأن نهر النيل أدت إلى غرق مساحات واسعة من الأراضي في السودان، كما تأثرت أراضي "طرح النهر" في مصر بشكل مباشر، ما يعكس خطورة هذه الإجراءات على الأمن المائي والزراعي في دول المصب، ويضع مستقبل الأمن الغذائي والمائي المصري في حالة تهديد دائم.
التحديات المائية في مصر
تشكل مياه النيل شريان الحياة لمصر، حيث تعتمد البلاد على النهر بشكل شبه كامل لتلبية احتياجاتها الزراعية والصناعية والمنزلية. وتشير تقديرات وزارة الموارد المائية إلى أن أكثر من 95% من المياه المتاحة للمصريين تأتي من النيل، ما يجعل أي اضطراب في التدفق المائي تهديدًا وجوديًا للأمن القومي.
وشدد عبد العاطي على أن هذه السياسات الأحادية تثبت صواب الموقف المصري القائم على ضرورة إخطار مسبق وتنسيق كامل بين دول المنبع والمصب، أي إثيوبيا ومصر والسودان، قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق بمياه النيل. وأكد أن غياب هذا التنسيق يؤدي إلى آثار كارثية تشمل الفيضانات، تلوث الأراضي الزراعية، تراجع الإنتاج الزراعي، ونقص المياه الصالحة للشرب، وهو ما يفاقم معاناة المواطنين في مناطق متفرقة من البلاد.
سد النهضة: "قنبلة نووية مائية"
تعد قضية سد النهضة الإثيوبي محور التوتر المستمر بين مصر وإثيوبيا منذ سنوات. وأشار خبراء مصريون إلى أن السد يمثل "قنبلة نووية مائية" بسبب قدرته على التحكم الكامل في تدفق المياه إلى دول المصب، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى أزمات غذائية ومائية حادة في حال إدارة ملء الخزانات بشكل أحادي وغير مسؤول.
وأشار عبد العاطي إلى أن الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت السودان ومصر كانت نتيجة مباشرة لسياسات إدارة المياه من الجانب الإثيوبي دون تنسيق مسبق، ما أثار مخاوف جدية لدى السلطات المصرية حول تكرار هذه الأزمات في المستقبل. وأضاف أن "أحادية الجانب" في التعامل مع النهر تثبت الحاجة الماسة لتعاون إقليمي كامل وتنسيق مسبق لضمان الأمن المائي لدول المصب.
التحديات البيئية والصحية
لا تقتصر تأثيرات سياسات إثيوبيا على الجانب المائي والزراعي فحسب، بل تمتد إلى البيئة والصحة العامة. تشير الدراسات المصرية إلى أن الفيضانات الناتجة عن إدارة سد النهضة تؤدي إلى تلوث المحاصيل والمياه، وزيادة مخاطر الأمراض المعدية، وتأثيرات طويلة الأمد على التربة والأنظمة البيئية المحلية. ويؤكد خبراء البيئة أن استمرار هذه السياسات دون رقابة دولية يعرض مناطق واسعة من السودان ومصر لأضرار بيئية لا يمكن تعويضها بسهولة.
البعد الدبلوماسي والتحركات الدولية
وفي الجانب الدبلوماسي، تناولت المباحثات مع الجانب الهولندي معاهدة فيينا بشأن المزايا والحصانات الدبلوماسية، حيث شدد عبد العاطي على أن الالتزام الكامل لجميع الدول المضيفة للسفارات الأجنبية يتطلب توفير الحماية والدعم الكامل لهذه البعثات، بما في ذلك السفارة المصرية، مرحبًا بالحرص الهولندي على هذا الأمر ومثمناً التزام هولندا بتوفير كافة أشكال الحماية للبعثات الدبلوماسية.
ويأتي هذا التحرك المصري في ظل استمرار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى الضغط على إثيوبيا للالتزام بالتنسيق المسبق مع دول المصب، والامتثال للمعايير الدولية في إدارة الموارد المائية المشتركة. وتشارك مصر بشكل فعال في المنتديات الدولية والإقليمية لتسليط الضوء على خطورة السياسات الأحادية وإقناع المجتمع الدولي بضرورة وضع آليات رقابة وإشراف دولي على إدارة سد النهضة.
الآثار الاقتصادية
يمثل التحكم في مياه النيل عاملًا حاسمًا في الاقتصاد المصري، حيث تعتمد الزراعة على نحو 80% من المياه العذبة المتاحة، وتشكل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي وتوظف ملايين المواطنين. أي انقطاع أو تذبذب في تدفق المياه يمكن أن يؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي، وارتفاع أسعار الغذاء، وزيادة معدلات الفقر والبطالة.
ويؤكد مسؤولون مصريون أن ملء سد النهضة بشكل أحادي يمكن أن يقلص موارد المياه بما يصل إلى 20% خلال السنوات القادمة، ما يعقد جهود التنمية ويزيد الضغوط على الحكومة لضمان الأمن الغذائي والمائي.
السيناريوهات المستقبلية
تطرح الأزمة الحالية عدة سيناريوهات محتملة:
تفاقم التوترات الثنائية: إذا استمرت إثيوبيا في السياسات الأحادية، قد يتصاعد التوتر بين القاهرة وأديس أبابا ليصل إلى مستوى سياسي ودبلوماسي أكثر حدة.
التدخل الدولي: تواصل مصر الضغط على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، لضمان الإشراف على سد النهضة ووضع آليات ملزمة لإدارة المياه.
التعاون الإقليمي: يبقى السيناريو الأفضل حلًا تفاوضيًا يحقق التوازن بين مصالح الدول الثلاث، ويضمن حماية الأمن المائي والاقتصادي لمصر والسودان مع احترام حقوق إثيوبيا في التنمية.
الخلاصة
تؤكد تصريحات بدر عبد العاطي أن مصر لن تتراجع عن موقفها بشأن حماية حقوقها المائية، وستواصل الدفاع عن الأمن المائي والغذائي لمواطنيها بكل الوسائل الدبلوماسية والقانونية المتاحة. ومع استمرار الفيضانات والتهديدات الناتجة عن السياسات الأحادية لإثيوبيا، يبقى التنسيق المسبق والإشراف الدولي على إدارة سد النهضة ضرورة ملحة لضمان استقرار المنطقة ومنع حدوث أزمات مائية وغذائية تهدد حياة الملايين في دول المصب.