شهدت مدينة حلب، مساء الاثنين، توترات أمنية وعسكرية واسعة انتهت بإعلان وقفٍ لإطلاق النار بعد منتصف الليل في حيي الأشرفية والشيخ مقصود شمالي المدينة، عقب مواجهات وعمليات قصف متبادلة اعتُبرت الأعنف منذ أشهر، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين.
بداية التوتر
بحسب مصادر ميدانية متقاطعة، بدأت الأحداث عندما نفّذت وحدات أمنية وعسكرية سورية عملية تمشيط في محيط حي الشيخ مقصود، حيث أعلنت لاحقًا عن اكتشاف نفقٍ يُعتقد أنه تابع لمجموعات محلية مرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يمتد من مواقعها داخل الحي باتجاه منطقة قريبة من نقاط الجيش والأمن العام.
ووفق رواية مصدر أمني تحدث لوسائل إعلام محلية، فإن العملية أُنجزت استنادًا إلى معلومات استخبارية ومراقبة ميدانية دقيقة، وأسفرت عن تفجير النفق قبل استخدامه، دون وقوع خسائر بشرية. وأعقب ذلك اتخاذ إجراءات أمنية مشددة شملت إعادة الانتشار في محيط الحيين وتعزيز الحواجز ونقاط التفتيش، مع إغلاق الطرق المؤدية إليهما بشكل مؤقت “لأسباب وقائية” وفق المصدر ذاته.
احتجاجات وتصاعد الاشتباكات
إغلاق الطرق تسبب، وفق شهود عيان، في احتجاجات داخل حي الشيخ مقصود، حيث خرج عدد من الأهالي رفضًا للإجراءات الجديدة. ومع تصاعد الموقف، تحوّل التجمع إلى اشتباكات محدودة بين محتجين وعناصر من قوى الأمن العام.
مصادر ميدانية قريبة من الحكومة قالت إن “مجموعات مسلحة تسللت إلى صفوف المتظاهرين ونفذت هجومًا مباغتًا على حاجز العوارض التابع للأمن العام”، مشيرة إلى مقتل عنصر وإصابة آخرين. وأضافت أن “الهجوم تزامن مع قصف بالهاون والرشاشات الثقيلة طال أحياء سكنية عدة بينها سيف الدولة والميدان وبستان الباشا والسريان، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين بينهم نساء وأطفال”.
وأفادت مصادر طبية في المدينة بنقل ثمانية مصابين إلى مشفى الرازي، فيما فارقت سيدة الحياة متأثرة بإصابتها في حي سيف الدولة. كما أصيب صحفي يعمل في مدينة حلب بشظايا خلال تغطيته الأحداث.
انقطاع الاتصالات وتصاعد القصف
على الجانب الآخر، أفادت مصادر محلية من داخل حي الشيخ مقصود بأن “القصف لم يقتصر على الأطراف بل شمل عمق الحي، حيث تم استهداف مناطق سكنية ومواقع قريبة من مستشفى عثمان في حي الأشرفية”. وأكدت أن الانفجار الذي وقع قرب الحديقة العامة في المنطقة “أثار هلعًا بين السكان وأدى إلى أضرار مادية”.
كما تحدثت مصادر أهلية عن “استخدام قذائف مدفعية وطائرات مسيرة انتحارية في بعض المواقع”، مشيرة إلى انقطاع شبكات الإنترنت والاتصالات لساعات طويلة، ما صعّب عمليات الإسعاف والتواصل بين السكان.
جهود التهدئة
مع تصاعد التوتر، بدأت اتصالات مكثفة بين قيادة الأمن الداخلي في حلب وممثلين عن قوات “قسد”، أسفرت في ساعة متأخرة من الليل عن اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ عند الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل.
مصدر عسكري قال إن “الاتفاق تم برعاية وجهاء محليين وبتنسيق ميداني لاحتواء الموقف ومنع توسّع الاشتباكات”، مضيفًا أن “الوضع عاد تدريجيًا إلى الهدوء صباح الثلاثاء، مع استمرار انتشار القوات في محيط المنطقة”.
وشوهدت صباح الثلاثاء فرق هندسية تابعة للجيش وهي تزيل الركام وتفتح الطرق المغلقة، في حين وُضعت حواجز جديدة لمراقبة أي تحرك غير اعتيادي.
خلفيات التوتر
تتقاطع الروايات حول الأسباب المباشرة للتصعيد. فبينما ترجح مصادر حكومية أن “الهجوم جاء نتيجة رفض قوات قسد للإجراءات الأمنية الجديدة”، ترى أطراف أخرى أن ما حدث مرتبط بتعثر المفاوضات الجارية بين الطرفين بشأن مستقبل إدارة الحيين ذات الغالبية الكردية.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن اجتماعات سابقة بين الجانبين لم تسفر عن تفاهمات واضحة، إذ طرحت الحكومة خطة تقضي بوضع الحيين تحت إشراف مباشر للأمن العام وإزالة الحواجز غير النظامية، فيما رفضت قسد هذا الطرح وقدمت مقترحات بديلة حول إدارة مشتركة محلية، دون التوصل إلى اتفاق نهائي.
الوضع الإنساني وردود الفعل
في خضم الأحداث، خرجت أصوات من داخل الشيخ مقصود تدعو إلى تجنيب المدنيين أي مواجهة جديدة، مطالبة بفتح المعابر بشكل عاجل والسماح بدخول المواد الأساسية. كما نُظمت وقفات احتجاجية محدودة مساء الثلاثاء للمطالبة بعودة الحياة الطبيعية ووقف الاعتقالات.
من جهتها، أكدت مصادر في الإدارة المحلية أن “العمل جارٍ لتأمين احتياجات السكان وإعادة الخدمات تدريجيًا”، مشيرة إلى أن “فرق الهلال الأحمر دخلت بعض الأحياء المتضررة لتقديم المساعدات الأولية”.
هدوء حذر بعد ليلة مضطربة
حتى صباح الأربعاء، ساد هدوء نسبي في الأحياء الشمالية من حلب، مع استمرار انتشار أمني مكثف ووجود حالة من الترقب بين السكان، الذين يخشون تجدد الاشتباكات في حال فشل التفاهمات الأخيرة.
وبينما تشير التقديرات إلى أن المدينة شهدت واحدة من أكثر لياليها توترًا منذ مطلع العام، يرى مراقبون أن ما حدث قد يكون إنذارًا مبكرًا حول هشاشة الوضع الأمني في المناطق المشتركة، وأن استمرار غياب التفاهمات السياسية بين الأطراف المعنية يجعل احتمالات التصعيد قائمة في أي لحظة.