انتخابات سوريا بين الرفض والاعتراف السياسي

2025.10.06 - 10:39
Facebook Share
طباعة

 شهدت الساحة السورية جدلاً جديداً بعد إعلان نتائج انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، إذ أعلنت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا رفضها الاعتراف بمخرجات العملية الانتخابية، معتبرة أنها لا تعكس الإرادة السياسية المتنوعة للمجتمع السوري، ولا تعبّر عن مكونات البلاد كافة.


وأكد نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية للشؤون السياسية، بدران جيا كرد، أن “الإدارة الذاتية” لم تكن ممثلة في العملية الانتخابية، وبالتالي فإن القرارات الصادرة عن المجلس الجديد لا تعتبر ملزمة لها. واعتبر أن المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية تمتلك “إرادة سياسية مستقلة” تعبّر عن سكانها من خلال آليات انتخاب محلية، وأن هذه الإرادة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ضمن أي عملية سياسية شاملة.


انطلقت عملية الاقتراع صباح الأحد الخامس من تشرين الأول، واستمرت حتى الرابعة بعد الظهر، تلتها مباشرة عملية الفرز، في أول انتخابات تجريها دمشق منذ التغييرات السياسية الأخيرة في البلاد. إلا أن العملية واجهت انتقادات من أطراف عدة، إذ اعتُبرت أنها جرت في غياب توافق وطني واسع، ووفق قانون انتخابي لا يضمن تمثيل جميع المكونات السورية.


من جانب آخر، قررت اللجنة العليا للانتخابات تأجيل الاقتراع في محافظات السويداء والحسكة والرقة، معللة القرار بعدم توافر الظروف المناسبة لإجرائها، على أن تبقى المقاعد المخصصة لتلك المحافظات محفوظة إلى حين تهيئة “بيئة آمنة” للانتخابات. وتشهد هذه المناطق أوضاعاً أمنية وسياسية معقدة، خاصة مع وجود قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على أجزاء واسعة من الرقة والحسكة وريف دير الزور.


وترى “الإدارة الذاتية” أن استبعاد مناطقها من العملية الانتخابية يعكس غياب الشمولية في المقاربة السياسية. في المقابل، تعتبر الحكومة السورية أن الانتخابات خطوة في سياق “تعزيز المسار الدستوري”، وأن التمثيل النيابي يجب أن يستند إلى وحدة الدولة ومؤسساتها المركزية.


بالتوازي، تتواصل الاتصالات غير المعلنة بين قيادات “قوات سوريا الديمقراطية” والحكومة السورية برعاية غير مباشرة من التحالف الدولي. ووفق ما جرى تداوله في الأوساط السياسية، فقد أبدى قائد القوات، مظلوم عبدي، استعداداً لمناقشة آليات “اندماج إداري وعسكري تدريجي” مع الدولة السورية، عبر تشكيل لجان مشتركة وبناء إجراءات ثقة متبادلة، بما يضمن الحفاظ على خصوصية الإدارة المحلية في شمال شرقي البلاد.


وفي تصريحات سابقة للرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، إلهام أحمد، أشارت إلى أن واشنطن تدفع باتجاه تفاهمات أوسع بين دمشق و”قسد”، وتشجع الحكومة السورية على الانضمام رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة”، بما يعزز التنسيق الأمني والسياسي في مناطق الشمال الشرقي.


في المقابل، ردّ الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، على تلك الطروحات مؤكداً أن النظام الإداري في سوريا هو “لامركزي بنسبة كبيرة”، لكنه رفض فكرة الفيدرالية أو الأنظمة المستقلة، معتبراً أن بعض الدعوات اللامركزية “تحمل نزعة انفصالية تحت عناوين مختلفة”. وأوضح أن الكرد يشكلون جزءاً أصيلاً من المجتمع السوري، وأن حقوقهم “مضمونة ضمن إطار المواطنة الكاملة”، داعياً إلى تجاوز الخطابات الفئوية والتركيز على مشروع وطني شامل.


ويرى مراقبون أن التباين في المواقف بين دمشق و”الإدارة الذاتية” يعكس عمق الانقسام حول شكل الدولة المستقبلية في سوريا، بين نموذج مركزي تراه الحكومة ضمانة لوحدة البلاد، ورؤية لامركزية تسعى إليها الإدارة الذاتية لضمان تمثيل مكوناتها المحليّة.


وبينما تؤكد الحكومة أن الانتخابات الأخيرة خطوة نحو الاستقرار وإعادة تفعيل المؤسسات، تعتبرها أطراف في الشمال الشرقي تكريساً لواقع سياسي لا يشمل جميع القوى. ويبقى مستقبل العلاقة بين الطرفين مرتبطاً بمدى نجاح الجهود الإقليمية والدولية في دفع العملية السياسية نحو تسوية شاملة تضمن مشاركة جميع الأطراف في صياغة مستقبل البلاد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3