يمثل إعادة تحقيق كتاب "تاريخ الملوك" الذي كتبه الإمام محمد بن جرير الطبري خطوة نوعية في مجال الدراسات التاريخية العربية، إذ يتيح للباحثين والجمهور المعني بالتراث العربي الاطلاع على نسخة علمية دقيقة ومتسقة من مؤلَّف يعود لأكثر من ألف عام.
المشروع الذي تولته دارة الملك عبدالعزيز يعكس إدراكًا واضحًا لأهمية التوثيق والتحقيق العلمي في صون التراث الحضاري، ويضع أسسًا متينة لفهم السياقات التاريخية والسياسية والاجتماعية التي شكّلت ملامح التاريخ العربي الكلاسيكي.
إعادة تحقيق هذا السفر التاريخي تحمل قيمة معرفية كبيرة، إذ توفر منهجية دقيقة تمزج بين دقة الرواية التاريخية ووضوح التحليل، ما يعزز قدرة الباحثين على دراسة الأحداث والشخصيات والحقب الزمنية بشكل أعمق، كما تسهم هذه الطبعة في سد الفجوة بين التراث التاريخي القديم والاحتياجات البحثية المعاصرة، ما يجعل من دراسة الطبري أكثر ملاءمة للباحث الحديث، ويتيح قراءة جديدة تستند إلى مصادر موثوقة ومواد تاريخية تم تدقيقها بعناية.
من الجانب الثقافي، يبين المشروع حرص دارة الملك عبدالعزيز على نقل التراث العربي إلى الأجيال الجديدة بأسلوب يسهل الوصول إليه، ما يعزز من مكانة السعودية كمركز معرفي في مجال الدراسات التاريخية، الاهتمام بالتوثيق والتحقيق العلمي يعزز من الوعي المجتمعي بأهمية التراث ويحفز المؤسسات الأكاديمية والثقافية على استثمار مصادر تاريخية أصيلة في برامجها التعليمية والبحثية.
كما يبرز المشروع قيمة التعاون بين الباحثين والخبراء في المجال، حيث أُنجز التحقيق بإشراف دقيق من الدكتور بشار معروف وعدد من المتخصصين، ما أكسب الطبعة الحالية مصداقية علمية عالية، هذه الجهود تعكس إدراكًا بأن صون التراث ليس مجرد مهمة ثقافية، بل عنصر أساسي في تعزيز الهوية الحضارية والقدرة على فهم التطورات التاريخية من منظور علمي.
في المحصلة، يمثل تحقيق "تاريخ الملوك" أكثر من مجرد إعادة نشر نص تاريخي قديم؛ إنه مشروع يفتح آفاقًا جديدة للبحث والدراسة، ويوفر قاعدة معرفية غنية تمكن الباحثين من إعادة تقييم التاريخ العربي القديم بمنهجية متطورة، ويعزز من حضور التراث العربي في الدراسات الحديثة، بما يرسخ الصلة بين الماضي والحاضر.