مصر تتهم إثيوبيا بالعشوائية في إدارة سد النهضة وتوضح أسباب غرق بعض الأراضي

2025.10.04 - 01:17
Facebook Share
طباعة

دخلت أزمة سد النهضة مرحلة جديدة من التوتر، بعدما أوضحت الحكومة المصرية أن غرق بعض الأراضي الزراعية مؤخراً يعود إلى إجراءات استباقية اتخذتها القاهرة لمواجهة تداعيات فيضان غير منظم قادم من إثيوبيا والسودان. وفي الوقت نفسه، وجهت القاهرة انتقادات حادة إلى أديس أبابا متهمة إياها بإدارة السد بطريقة "عشوائية" تهدف إلى تحقيق مكاسب دعائية على حساب دولتي المصب.

 

قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري، محمد غانم، إن تصريف كميات كبيرة من المياه من السد العالي إلى مجرى النيل كان ضرورياً لاستقبال نحو ملياري متر مكعب أطلقتها إثيوبيا بشكل مفاجئ بعد امتلاء سد النهضة. وأوضح أن هذه الخطوة الإثيوبية لم تكن تستند إلى اعتبارات فنية أو تنسيق مسبق، بل جاءت، حسب قوله، "من أجل اللقطة الإعلامية" خلال افتتاح السد.

وأضاف غانم أن التخزين الكثيف للمياه في أغسطس الماضي، خلافاً للنهج التدريجي المعتاد حتى أكتوبر، أدى إلى امتلاء السد بشكل كامل، ما أجبر إثيوبيا على تصريف كميات ضخمة دفعة واحدة. هذا الأمر انعكس سلباً على السودان الذي شهد غرق بعض المناطق، فيما اتخذت مصر إجراءات وقائية بزيادة التصريف من بحيرة السد العالي، وأرسلت تحذيرات رسمية إلى المحافظات النيلية في سبتمبر الماضي.

وشدد المتحدث باسم وزارة الري على أن الأراضي التي غمرتها المياه في مصر هي بطبيعتها "أراضي طرح النهر"، أي مناطق داخل مجرى النيل اعتادت استقبال المياه الزائدة عبر العقود، لكنها تعرضت لخسائر نتيجة التعديات المخالفة بتحويلها إلى زراعات أو مبانٍ. ونفى ما يتم ترويجه عبر بعض المنصات الإعلامية عن "غرق المحافظات"، معتبراً ذلك "ادعاءً مضللاً".

وفي بيان رسمي، أكدت وزارة الري أن متابعة الموقف المائي تتم على مدار الساعة، وأن إدارة الموارد المائية في مصر قائمة على خطط مدروسة لتحقيق التوازن بين تلبية الاحتياجات الزراعية وحماية البلاد من الفيضانات. وحذرت من استمرار التعديات على مجرى النهر التي تقلص قدرته التصريفية وتهدد حياة ملايين المواطنين.

 


يعكس الموقف المصري الأخير عمق الخلاف مع إثيوبيا بشأن إدارة سد النهضة، حيث ترى القاهرة أن غياب التنسيق وتجاهل القواعد الفنية الدولية يعرض دول المصب لمخاطر جسيمة. وبينما تواصل مصر الاعتماد على السد العالي كضمانة استراتيجية لحماية أمنها المائي، يبقى ملف سد النهضة محوراً لصراع دبلوماسي طويل الأمد مع أديس أبابا، خصوصاً مع استمرار الخلاف حول قواعد الملء والتشغيل، وعدم التوصل إلى اتفاق ملزم حتى الآن.

 


بدأت أزمة سد النهضة الإثيوبي الكبير منذ عام 2011 حين أعلنت أديس أبابا عن مشروعها العملاق على النيل الأزرق لتوليد الكهرباء بقدرة تصل إلى أكثر من 6 آلاف ميغاواط، ما جعله أكبر سد كهرومائي في أفريقيا. ومنذ اللحظة الأولى أثار المشروع مخاوف مصر والسودان، كونه يقع على النيل الأزرق الذي يمد نهر النيل بحوالي 85% من مياهه.

شهدت السنوات التالية جولات تفاوضية مطوّلة بين الدول الثلاث، بوساطات إقليمية ودولية متكررة، من بينها الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة. ورغم توقيع "إعلان المبادئ" في الخرطوم عام 2015، ظل الخلاف قائماً حول القواعد الملزمة لملء وتشغيل السد، خصوصاً في سنوات الجفاف الممتد.

في عام 2020 دخلت الأزمة ذروة جديدة بعد شروع إثيوبيا في الملء الأول بشكل أحادي، لتتكرر لاحقاً عمليات الملء دون اتفاق شامل، وهو ما اعتبرته القاهرة والخرطوم تهديداً مباشراً لأمنهما المائي. وفي المقابل، تؤكد أديس أبابا أن السد مشروع سيادي وتنموي يهدف لتوليد الطاقة وتلبية احتياجات التنمية في الداخل الإثيوبي.

المفاوضات الثلاثية تعثرت مراراً بسبب تباين المواقف:

مصر تصرّ على اتفاق قانوني مُلزم يضمن حصتها التاريخية من مياه النيل ويحدد آلية واضحة لإدارة السد في سنوات الجفاف.

السودان يتأرجح بين الاستفادة من الكهرباء وتنظيم تدفقات المياه، وبين المخاوف من مخاطر الفيضانات أو الانهيارات.

إثيوبيا ترفض الالتزام بأي اتفاق يُقيّد سيادتها على مواردها المائية، وتتمسك بحقها في الملء والتشغيل وفق ما تراه مناسباً.


رغم ضغوط دولية متكررة، لم تُسفر أي جولة تفاوضية حتى الآن عن اتفاق شامل، ما يجعل السد مصدر توتر دائم في العلاقات بين الدول الثلاث، ويترك مصير الأمن المائي في وادي النيل رهناً بالقرارات الأحادية والتقلبات المناخية.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6