في تطور مفاجئ، أعلنت وسائل إعلام عبرية أن الجيش الإسرائيلي أوقف عملياته الهجومية في قطاع غزة فجر السبت، بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. القرار يأتي في توقيت حساس، مع بروز خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كإطار وحيد لإنهاء الحرب الممتدة منذ شهور، ومع تقديم حركة حماس ردّها الرسمي على المبادرة. وبينما تبدو الخطوة تمهيدًا لمفاوضات حاسمة، فإنها تعكس أيضًا توازنات دقيقة بين ضغوط أمريكية واستحقاقات سياسية داخلية في إسرائيل.
بحسب موقع واينت العبري، توقف القتال في غزة فعليًا ليلة الجمعة – السبت، حيث لم تُنفذ القوات الإسرائيلية أي عمليات هجومية ضد حماس، باستثناء حالات "الدفاع عن النفس". ويشير الموقع إلى أن هذا المشهد يعيد إلى الأذهان لحظات وقف إطلاق النار السابقة في نوفمبر 2023 ويناير 2024، لكنه يختلف هذه المرة في كونه مرتبطًا بخطة تسوية سياسية دولية.
كما كشف التقرير أن الجيش الإسرائيلي جمد خططه لشن هجوم واسع على مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة، ضمن عملية "عربات جدعون 2"، ما يعني أن القوات لم تصل بعد إلى الأهداف المركزية لحماس داخل المدينة. وتؤكد المعطيات أن الشهر الماضي شهد تنسيقًا كاملًا بين المستويين السياسي والعسكري، بهدف إدارة المعركة بوتيرة بطيئة وحذرة، إلى حين تبلور المفاوضات.
في هذا السياق، عقد رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير اجتماعًا ليليًا لتقييم الموقف، حيث وجّه برفع الجاهزية لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب الخاصة بإطلاق سراح الرهائن. وأكد المتحدث باسم الجيش أن "أمن القوات هو الأولوية القصوى، وأن جميع القدرات ستُكرس لحماية القوات في الجنوب"، مشيرًا إلى ضرورة الرد السريع على أي تهديد محتمل.
من جهته، أصدر مكتب نتنياهو بيانًا أوضح فيه أن تل أبيب "تتحرك بالتعاون الكامل مع الرئيس ترامب وفريقه لإنهاء الحرب وفقًا للمبادئ التي وضعتها إسرائيل، والمتوافقة مع الرؤية الأمريكية".
في المقابل، أعلنت حركة حماس أنها سلمت الوسطاء ردها على خطة ترامب، مجددة موافقتها على وقف الحرب وعلى تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط)، وفق توافق وطني فلسطيني مدعوم عربيًا وإسلاميًا.
الرئيس الأمريكي ترامب رحّب بهذه الخطوة واعتبر أن حماس "مستعدة لسلام دائم"، داعيًا إسرائيل إلى وقف القصف فورًا، في إشارة إلى أن واشنطن باتت تضغط على جميع الأطراف لتسريع عملية الانتقال من الحرب إلى التفاوض.
استجابة حماس لاقت ترحيبًا واسعًا من قادة دوليين ومن دول عربية وازنة في الملف الفلسطيني، بما يعزز زخم المبادرة الأمريكية ويضع ضغوطًا إضافية على حكومة نتنياهو.
توقف العمليات في غزة لا يمكن فصله عن المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي. فقرار نتنياهو يأتي في ظل تباين مواقف داخل الائتلاف الحاكم، بين تيارات متشددة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، التي ترفض أي "تنازل" تحت الضغط، وبين أصوات براغماتية ترى في خطة ترامب فرصة لتسوية سياسية تنقذ إسرائيل من حرب استنزاف طويلة.
كما أن خطة ترامب تطرح مسارين مترابطين:
إفراج متبادل يشمل جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل الرهائن الإسرائيليين.
انسحاب تدريجي من غزة بالتوازي مع تشكيل إدارة فلسطينية مستقلة للقطاع.
هذه الصيغة تعني، عمليًا، أن ملف غزة قد ينتقل من مسرح العمليات العسكرية إلى طاولة المفاوضات السياسية الدولية، ما يفتح الباب أمام إعادة صياغة التوازنات الفلسطينية – الإسرائيلية، وربما الإقليمية أيضًا.
قرار وقف المناورة العسكرية الإسرائيلية في غزة يشير إلى تحول استراتيجي في مسار الحرب. فبينما تسعى واشنطن إلى فرض إيقاع تفاوضي عاجل تحت رعاية ترامب، تبقى التساؤلات قائمة حول قدرة نتنياهو على احتواء الانقسامات الداخلية والالتزام بخطة قد تغيّر قواعد اللعبة جذريًا. في المقابل، تبدو حماس مستعدة للمضي في خيار سياسي طالما جاء مدعومًا عربيًا وإسلاميًا. وهكذا يقف الصراع على أعتاب مرحلة جديدة: من ميادين القتال إلى دهاليز المفاوضات.