يدخل النزاع السوداني، الذي اندلع منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مرحلة جديدة من التفاعلات السياسية والدبلوماسية، في ظل تحركات إقليمية ودولية مكثفة تسعى إلى فتح قنوات تفاوض مباشرة بين الطرفين. ورغم أن الصراع خلف كارثة إنسانية غير مسبوقة، فإن مؤشرات متصاعدة تشير إلى أن نافذة التفاوض قد تكون الأقرب منذ أكثر من عامين من الحرب، في ضوء خريطة طريق وضعتها «الآلية الرباعية الدولية» (أميركا، السعودية، مصر، الإمارات)، مدعومة من الأمم المتحدة والاتحادين الأفريقي والأوروبي.
خريطة الطريق الرباعية
منذ إعلان ملامح «خطة الرباعية» في سبتمبر الماضي، تبلورت رؤية تقوم على:
هدنة إنسانية أولية لثلاثة أشهر، تسمح بإيصال المساعدات وحماية المدنيين.
وقف دائم لإطلاق النار يمهّد لعملية سياسية انتقالية.
فترة انتقالية مدتها تسعة أشهر تنتهي بحكومة مدنية لا تخضع لأي طرف مسلح.
واشنطن، عبر مبعوثها الخاص مسعد بولس، أكدت أن المفاوضات المباشرة باتت وشيكة، فيما أبدت القاهرة والرياض وأبوظبي توافقاً على ضرورة دفع الأطراف السودانية إلى قبول هذه الصيغة.
التحركات الإقليمية
زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى بورتسودان ولقاؤه بالبرهان، عكست رغبة القاهرة في تنشيط دورها ضمن «الرباعية» وإعادة تأكيد الموقف المصري المتمسك بوحدة السودان وإنهاء الحرب عبر حل سياسي.
في المقابل، «الدعم السريع» أبدى انفتاحاً على أي مساعٍ دولية «تعالج جذور الحرب»، بينما رفض الجيش أي صيغة «تساوي بينه وبين الميليشيا»، وهو موقف ظل حجر عثرة في جولات التفاوض السابقة.
منبر جدة وإحياء المسار
تشير أصوات مدنية سودانية إلى أن استئناف المفاوضات في «منبر جدة» أصبح قريباً. رئيس المكتب التنفيذي لـ«التجمع الاتحادي»، بابكر فيصل، اعتبر أن «الهدنة الإنسانية ستفتح الطريق لوقف دائم للحرب»، محذراً من أن أي عملية سياسية لن يكتب لها النجاح ما لم تمتلكها القوى المدنية وتحدد أجندتها بعيداً عن الصفقات الثنائية بين الجنرالات.
كما حذر من دور «الحركة الإسلامية» المرتبطة بالنظام السابق في تعطيل أي مسار سلمي، ما يفرض – برأيه – توحيد العمل المدني لعزلها.
الضغوط الدولية وتوازنات القوة
بحسب محللين، فإن «الرباعية» هذه المرة مدعومة بإجماع دولي وإقليمي غير مسبوق، من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. الاجتماع المشترك الذي عُقد في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمشاركة وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يعكس وجود توافق واسع على أن الحرب لا يمكن حسمها عسكرياً.
الكاتب والمحلل عبد الله رزق يرى أن اتصالات مباشرة وغير مباشرة بدأت بالفعل مع الطرفين، وأن فرص نجاح المسار السياسي الآن تفوق محاولات سابقة، إذ بات واضحاً أنه «لا خيار أمام الطرفين سوى اقتناص فرصة التفاوض، أو مواجهة عزلة سياسية وفقدان أي موقع مستقبلي في السلطة».
معوقات محتملة
رغم هذه المؤشرات، تظل هناك عقبات معقدة:
انعدام الثقة المتراكم بين الجيش و«الدعم السريع».
تضارب مصالح إقليمية (خاصة النفوذ الإماراتي مقابل المصري والسعودي).
نفوذ قوى النظام السابق وسعيها لإفشال أي عملية انتقالية.
الوضع الإنساني الكارثي الذي يضغط على المجتمع الدولي لكنه يضعف قدرة المدنيين على تنظيم صفوفهم سياسياً.
يمثل النزاع السوداني اليوم واحدة من أعقد الحروب الأهلية في القارة الأفريقية. فمنذ انهيار الشراكة بين البرهان وحميدتي في 2023، غرقت البلاد في حرب دموية أودت بحياة عشرات الآلاف، وأجبرت أكثر من عشرة ملايين على النزوح، وفق تقديرات الأمم المتحدة، لتصبح أكبر أزمة نزوح في العالم.
على مدى عامين، فشلت محاولات الوساطة الإقليمية، من «منبر جدة» إلى مساعي الاتحاد الأفريقي، بسبب تمسك الطرفين بخيارات عسكرية. لكن التحولات الأخيرة – بما فيها عجز أي طرف عن حسم المعركة، وضغط الكارثة الإنسانية، وتبلور خريطة طريق دولية متوافق عليها – قد تجعل هذه الجولة مختلفة.
السؤال الجوهري اليوم: هل يدرك البرهان وحميدتي أن الاستمرار في الحرب لم يعد خياراً، وأن التفاوض هو المسار الوحيد لتجنب انهيار الدولة السودانية؟