في الوقت الذي تتحدث فيه الخطة الأميركية الأخيرة عن مسار محتمل لإنهاء حرب غزة وفتح أفق لدولة فلسطينية، تشهد الضفة الغربية واقعاً مختلفاً تماماً. فالجرافات الإسرائيلية، تحت حماية قوات مدججة بالسلاح، تواصل شقّ طرق جديدة مخصصة حصراً للمستوطنين، في خطوة يعتبرها الفلسطينيون تقويضاً عملياً لفكرة الدولة وتكريساً لواقع استعماري على الأرض.
في قرية بيت عور الفوقا غرب رام الله، يراقب السكان كيف تمزق الجرافات أوصال أراضيهم الزراعية وتحوّلها إلى طرق عريضة تربط بين المستوطنات. يقول أشرف سمارة، عضو مجلس القرية: "الهدف واضح: حصر الفلسطينيين في تجمعاتهم، ومنعهم من استخدام هذه الطرق، ليُعزل كل تجمع عن الآخر".
الطرقات التي تُشَقّ تسهّل حركة المستوطنين اليهود، لكنها في المقابل تعيق الفلسطينيين عن الوصول إلى أعمالهم وحقولهم، لتصبح شبكات الطرق أداة حصار ناعمة تمنع أي تواصل جغرافي بين القرى والمدن الفلسطينية.
التوسع الاستيطاني في ظل الحرب
منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تسارعت وتيرة الاستيطان بشكل غير مسبوق.
خصصت الحكومة الإسرائيلية 7 مليارات شيكل (2.1 مليار دولار) لمشاريع طرق في الضفة.
المستوطنات لم تعد تقتصر على التلال المعزولة، بل تمددت في عمق الأراضي الفلسطينية، مدعومة بشبكة طرق "حصرية" للمستوطنين.
تقول هاغيت عوفران من حركة "السلام الآن":
"ما تفعله إسرائيل ليس مجرد توسعة بنية تحتية، بل فرض وقائع ميدانية تمنع قيام دولة فلسطينية".
يعتبر الفلسطينيون ومعظم دول العالم المستوطنات غير شرعية، ويصفها القانون الدولي بأنها انتهاك مباشر لاتفاقية جنيف الرابعة.
ومع ذلك، تواصل الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو دعم المشاريع التي تعمّق السيطرة على الضفة.
نتنياهو أعلن بوضوح: "لن تكون هناك دولة فلسطينية أبداً".
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أكد أن التوسعات الجديدة "تدفن الفكرة الفلسطينية".
في سبتمبر الماضي، اعترفت بريطانيا وفرنسا إلى جانب دول أوروبية أخرى بدولة فلسطين، في خطوة رمزية كبرى. لكن على الأرض، تتسارع الإجراءات الإسرائيلية لتقطيع أوصال هذه الدولة الموعودة.
الخطة الأميركية بقيادة ترمب تتحدث عن مسار نحو دولة فلسطينية، لكنها تضع شروطاً مشددة تجعل النتيجة غير مضمونة.
بالتوازي، تعمل إسرائيل على "تهيئة البنية التحتية لمليون مستوطن جديد"، وفق ما تؤكد منظمات حقوقية إسرائيلية.
منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، شرعت إسرائيل في بناء مستوطنات متفرقة. لكن منذ التسعينيات، بدأت بتنفيذ استراتيجية "الطرق الالتفافية" لفصل الفلسطينيين عن المستوطنين.
تقرير مركز "بتسيلم" الحقوقي عام 2004 وصف هذه الشبكة بأنها "نظام طرق تمييزي" هدفه خنق التنمية الفلسطينية.
اليوم، يتطور هذا النظام ليصبح شبكة معقدة تربط بين الكتل الاستيطانية الكبرى وتمنع التواصل الجغرافي لأي كيان فلسطيني مستقل.
بينما يطرح الأميركيون "خريطة طريق" لدولة فلسطينية، ترسم إسرائيل على الأرض خرائط بديلة عبر الجرافات والطرق الالتفافية.
الفلسطينيون يرون أن هذه المشاريع لا تسرق أراضيهم فحسب، بل تسرق مستقبلهم السياسي. ومع كل طريق جديد يُعبد للمستوطنين، تتراجع فرص الدولة الفلسطينية إلى الوراء، لتبقى الضفة الغربية أسيرة معركة جغرافية وسياسية مفتوحة.