في مشهد أعاد إلى الأذهان أحداث "مرمرة" عام 2010، أشعل اعتراض البحرية الإسرائيلية لـ"أسطول الصمود العالمي" المتجه نحو غزة عاصفة إدانات دولية، وسط اتهامات لتل أبيب بارتكاب "قرصنة دولة" وانتهاك صارخ للقانون الدولي. وبينما تحاول إسرائيل تصوير العملية كإجراء أمني، يرى مراقبون أن ما حدث يكشف هشاشة الرواية الإسرائيلية أمام موجة تضامن شعبي عالمي مع غزة المحاصرة منذ ما يقارب العقدين.
أكد منظمو "أسطول الصمود العالمي" أن القوات الإسرائيلية اعترضت 13 قاربًا من أصل 40، كانت تحمل مساعدات إنسانية ومئات النشطاء من أكثر من 44 دولة، في محاولة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 2007. ورغم الاعتراض، واصلت 30 سفينة الإبحار نحو غزة، في مشهد رمزي يعكس إصرار الشعوب على تحدي سياسات العزل والتجويع.
أشرطة فيديو موثقة أظهرت لحظة صعود الجنود الإسرائيليين إلى القوارب، بينهم قارب كانت على متنه الناشطة السويدية في مجال المناخ غريتا تونبري، التي تحولت صورتها محاطة بجنود مدججين بالسلاح إلى أيقونة متداولة في الإعلام الغربي.
إدانات متصاعدة عبر القارات
إسبانيا: استدعت القائم بالأعمال الإسرائيلي في مدريد بعد احتجاز 65 إسبانيًا كانوا ضمن القوافل البحرية. التوتر بين مدريد وتل أبيب ليس جديدًا، إذ سحبت إسرائيل سفيرها العام الماضي عقب اعتراف إسبانيا بدولة فلسطين.
ماليزيا: أدان رئيس الوزراء أنور إبراهيم العملية، مؤكدًا أن بلاده تتحرك عبر القنوات الدبلوماسية لإطلاق سراح 12 ماليزيًا ضمن المعتقلين.
جنوب أفريقيا: وصف الرئيس سيريل رامابوسا ما جرى بأنه "جريمة خطيرة بحق التضامن العالمي"، مشيرًا إلى وجود حفيد مانديلا بين المحتجزين.
باكستان: اعتبر رئيس الوزراء شهباز شريف أن "جريمة ركاب الأسطول الوحيدة كانت نقل المساعدات للفلسطينيين البائسين"، واصفًا ما حدث بأنه "هجوم خسيس".
بريطانيا: عبرت عن "قلق بالغ" بشأن مصير مواطنيها، مؤكدة أن المساعدات يجب أن تُسلم فورًا للمنظمات الإنسانية.
أستراليا: أبدت استعدادها لتقديم الدعم القنصلي لمواطنيها المعتقلين.
إيران: وصفت العملية بأنها "عمل إرهابي وانتهاك صارخ للقانون الدولي".
رواية إسرائيل ومحاولة التبرير
في المقابل، قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن "السفن أُوقفت بأمان، ونُقل ركابها إلى ميناء أشدود"، متجاهلة الانتقادات المتصاعدة التي وصفت العملية بأنها "قرصنة بحرية". حكومة نتنياهو تسعى لتبرير الخطوة بالقول إن السماح للقافلة بالوصول إلى غزة كان سيُشكل "اختراقًا خطيرًا" للحصار المفروض منذ 18 عامًا.
رمزية الأسطول وتحوّله إلى قضية عالمية
رغم أن الأسطول لا يغيّر فعليًا المعادلة العسكرية أو الحصار الخانق على غزة، إلا أن رمزيته السياسية والإعلامية جعلت منه ساحة مواجهة ناعمة بين إسرائيل والمجتمع الدولي. صورة "تونبري" محاطة بالجنود، ولقطات الجنود الإسرائيليين وهم يداهمون سفنًا مدنية تحمل شعارات السلام والمساعدات، شكّلت صفعة دعائية لتل أبيب.
قانونيًا، يثير اعتراض سفن مدنية في المياه الدولية جدلاً واسعًا حول شرعية الحصار الإسرائيلي لغزة. خبراء القانون الدولي يعتبرون ما جرى "انتهاكًا صارخًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، خاصة أن الأسطول أعلن مسبقًا أهدافه الإنسانية.
إنسانيًا، يأتي الاعتراض في وقت يعيش فيه سكان غزة واحدة من أسوأ الكوارث منذ اندلاع الحرب الأخيرة، حيث تشير تقارير أممية إلى أن أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، فيما انهارت المستشفيات والمدارس والبنى التحتية.
حادثة اليوم تعيد إلى الأذهان مأساة سفينة "مافي مرمرة" التركية عام 2010، حين قتل الجيش الإسرائيلي عشرة نشطاء أتراك خلال اعتراض قافلة "أسطول الحرية"، ما فجّر أزمة دبلوماسية عميقة مع أنقرة آنذاك.
لكن الفارق أن "أسطول الصمود" هذه المرة حمل رمزية مضاعفة: مشاركة ناشطين عالميين بارزين من رموز البيئة والحقوق الإنسانية، إضافة إلى توقيت العملية في ظل حرب إسرائيلية مدمرة على غزة أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين.
هذا يضع إسرائيل أمام عزلة دبلوماسية متزايدة، ويمنح حركات التضامن العالمية مع فلسطين زخمًا جديدًا قد يترجم إلى ضغط قانوني وسياسي متنامٍ داخل المؤسسات الدولية، في وقت يتآكل فيه الخطاب الإسرائيلي حول "الأمن" أمام صور المدنيين المعتقلين والقوارب المصادرة.