كيف أُسقط أسطول الصمود؟ إسرائيل تحتجز النشطاء وتواجه عاصفة دبلوماسية

2025.10.02 - 10:49
Facebook Share
طباعة

في مشهد يذكّر بحادثة "مافي مرمرة" قبل خمسة عشر عاماً، عادت مياه شرق المتوسط لتكون مسرحاً لمواجهة بين إسرائيل وحملة دولية مدنية تهدف إلى كسر الحصار المفروض على غزة. فقد اعترضت البحرية الإسرائيلية، مساء الأربعاء وفجر الخميس (1-2 أكتوبر 2025)، أكثر من 13 سفينة تابعة لـ"أسطول الصمود" كانت متجهة إلى سواحل غزة وعلى متنها مئات النشطاء من مختلف دول العالم، بينهم شخصيات بارزة مثل الناشطة البيئية السويدية غريتا تونبرغ.

وبينما تؤكد إسرائيل أن العملية تمت "بأمان وسلام" وأن النشطاء سيُرحّلون لاحقاً إلى أوروبا، يصف المنظمون ما حدث بأنه "قرصنة في المياه الدولية" و"جريمة حرب مكتملة الأركان". في المقابل، انطلقت موجة إدانات دولية، شملت طرد كولومبيا للبعثة الإسرائيلية من أراضيها، واحتجاجات في عدة عواصم أوروبية، ما جعل القضية تتجاوز حدود الحصار البحري لتتحول إلى أزمة سياسية وقانونية عالمية.

كيف أُسقط الأسطول؟

بحسب رواية منظمات "التحالف الدولي من أجل غزة"، فقد بدأت القصة حينما اقتربت سفن الأسطول، وعددها الإجمالي قرابة عشرين، من مسافة 70 ميلاً بحرياً من سواحل غزة.

البحرية الإسرائيلية أرسلت تحذيرات عبر الراديو، ثم قامت بالتشويش على أنظمة الاتصال.

تم إرسال زوارق عسكرية سريعة طوقت السفن، قبل أن يقتحم جنود ملثمون عدة سفن بالقوة.

بعض النشطاء حاولوا التمسك بـ"المقاومة السلمية"، عبر الجلوس على أرضية السفن ورفع شعارات، لكن تم جرّهم بالقوة إلى المراكب العسكرية.

إسرائيل من جانبها أعلنت أن العملية "تمت دون إصابات"، مؤكدة أن النشطاء "يتلقون معاملة جيدة" وأنهم "سينقلون إلى ميناء إسرائيلي لترحيلهم لاحقاً إلى أوروبا". لكن مقاطع مصوّرة نشرها المنظمون قبل انقطاع الاتصال أظهرت مشاهد صادمة لاقتحام السفن في عرض البحر، وهو ما وصفه أحد القادة الميدانيين للأسطول بـ"السطو المسلّح".

إسرائيل: "إحباط تهديد" أم "قمع تضامن"؟

الخطاب الإسرائيلي الرسمي حاول تأطير العملية في سياق "الأمن القومي".

وزارة الخارجية وصفت الأسطول بأنه "أسطول حماس – صمود"، في محاولة لربط المبادرة بالحركة الفلسطينية وتصويرها كتهديد محتمل.

المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قال إن "المساعدات الإنسانية لغزة يمكن تمريرها عبر القنوات الشرعية وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، وليس عبر مغامرات بحرية غير قانونية".

الإعلام الإسرائيلي ركّز على وجود شخصيات عامة مثل غريتا تونبرغ لتصوير الأسطول على أنه "أداة علاقات عامة" أكثر من كونه مبادرة إغاثية.

لكن هذه الرواية لم تلقَ قبولاً واسعاً، خصوصاً أن الصور المتداولة تُظهر بوضوح الطابع المدني والرمزي للأسطول، حيث لم يكن يحمل سوى أطنان رمزية من المواد الطبية والغذائية.

شهادات من قلب السفن: "كنا مستعدين للاعتقال"

من بين ما سُرّب من شهادات قبل انقطاع الاتصالات:

مانو لوبيز، قائد إحدى السفن الإسبانية، قال لإذاعة "كادينا سير": "ما يحدث هو جريمة كبرى. نحن في المياه الدولية، والبحرية الإسرائيلية لا تملك أي حق في اقتحامنا."

ناشطة نرويجية أكدت في تسجيل قصير أن القوات الإسرائيلية "اقتادت الجميع بالقوة"، وأن بعض النشطاء "تعرضوا للضرب العنيف أثناء المقاومة السلمية".

آخر رسالة بثها أحد المشاركين: "حتى لو اعتُقلنا، فإن صوت غزة سيبقى عالياً. هذه ليست نهاية الرحلة، بل بدايتها."

من الاستنكار إلى العقوبات

كولومبيا

أعلنت طرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية بعد اعتقال اثنتين من مواطناتها على متن الأسطول، واعتبرت ما جرى "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي".

تركيا وماليزيا

أدانت بشدة العملية، ووصفتها بأنها "عمل إرهابي منظم"، ودعت مجلس الأمن لاجتماع عاجل.

أوروبا

في إيطاليا خرجت مظاهرات في روما وميلانو، وارتفعت دعوات إلى إضراب عام تضامناً مع النشطاء.

نواب في البرلمان الأوروبي طالبوا بفتح تحقيق دولي ومحاسبة إسرائيل.

الأمم المتحدة

المتحدث باسم الأمين العام أعرب عن "قلق عميق"، مؤكداً ضرورة "احترام القانون البحري الدولي وضمان سلامة المدنيين".

هل كان الاعتراض شرعياً؟

تطرح الحادثة أسئلة قانونية حساسة:

المنظمون يؤكدون أن السفن كانت في المياه الدولية، ما يجعل أي اعتراض غير مشروع ويُعتبر "قرصنة حكومية".

إسرائيل تستند إلى مبدأ "الحصار البحري" باعتباره أداة حرب معترف بها في القانون الدولي الإنساني، لكنها تواجه تحدياً كبيراً لأن الغالبية ترى أن الحصار المفروض على غزة غير قانوني أصلاً باعتباره عقاباً جماعياً.

خبراء القانون الدولي يربطون الحدث مباشرة بسوابق مثل "مافي مرمرة" عام 2010، والتي خلص تقرير أممي بشأنها إلى أن إسرائيل ارتكبت انتهاكات خطيرة.

بين التصعيد والدبلوماسية

تصعيد دبلوماسي: دول أخرى قد تحذو حذو كولومبيا وتتخذ إجراءات ضد إسرائيل.

ضغط شعبي متزايد: المظاهرات الأوروبية والعربية مرشحة للتصاعد، خاصة مع رمزية مشاركة شخصيات مثل تونبرغ.

قضية قانونية دولية: قد يرفع المنظمون دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، مستندين إلى انتهاك حرية الملاحة.

حادثة اعتراض "أسطول الصمود" ليست مجرد عملية عسكرية في البحر، بل هي اختبار جديد لشرعية إسرائيل الدولية، وامتحان لموقف المجتمع الدولي من الحصار على غزة.

إسرائيل قد تنجح تكتيكياً في منع السفن من الوصول، لكنها خسرت معركة الصورة والرأي العام، بعدما تحولت عملية الاعتراض إلى فضيحة سياسية وقانونية عالمية. وفي المقابل، حقق النشطاء هدفهم الأسمى: إعادة قضية غزة إلى صدارة النقاش الدولي، وإظهار أن الحصار لا يواجه فقط في الميدان، بل أيضاً في العقول والضمائر. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 9