أثار انتشار تسجيل مصور يظهر جنودًا إسرائيليين يرفعون العلم الإسرائيلي في مدينة القنيطرة جنوبي سوريا، ردود فعل متباينة، وسط استمرار حالة التوتر الأمني والعسكري في المنطقة الحدودية مع الجولان. التسجيل الذي تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وُثّق في إحدى الساحات الرئيسية التي عُرفت تاريخيًا باسم “دوار العلم”، وهو الموقع ذاته الذي شهد عام 1974 رفع العلم السوري عقب استعادة المدينة.
وأكد مدير الإعلام في محافظة القنيطرة، محمد أن التسجيل الذي يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي يعود تاريخه إلى اليومين الماضيين، وهو صحيح فقد رفع العلم الإسرائيلي في “دوار العلم” بالمحافظة.
خلفية رمزية
تحمل هذه الساحة رمزية خاصة للسوريين، إذ ارتبطت بتحرير القنيطرة ورفع العلم السوري رسميًا لأول مرة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي. وبالتالي فإن مشهد رفع العلم الإسرائيلي مجددًا أعاد إلى الواجهة نقاشات سياسية وشعبية حول مستقبل الجنوب السوري وحدود النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
سياق سياسي وأمني
يأتي تداول التسجيل في وقت تشهد فيه المنطقة سلسلة من التطورات الأمنية والعسكرية. فقد تكررت خلال الأسابيع الأخيرة عمليات توغل إسرائيلية داخل أراضٍ في ريف القنيطرة، شملت مداهمات وتفتيش منازل، واعتقالات محدودة، إضافة إلى إنشاء تحصينات ميدانية وحفر سواتر في مناطق متاخمة للشريط الحدودي.
هذه التحركات العسكرية تزامنت مع جولات من النقاشات الدبلوماسية على المستوى الدولي، حيث تسعى أطراف عدة إلى الدفع نحو اتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب يضمن تخفيف التوتر على الحدود ووقف الضربات الجوية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية.
الموقف السوري
القيادة السورية الانتقالية حذّرت مؤخرًا من أن الشرق الأوسط يقترب من مرحلة اضطرابات جديدة إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات واضحة تضمن سيادة سوريا وتوقف الانتهاكات. وأكدت دمشق أنها منفتحة على الحوار، لكنها ربطت أي اتفاق أمني بوقف الضربات الجوية والتوغلات البرية، وبقبول إسرائيل إعادة تفعيل دور قوات الأمم المتحدة وفق اتفاقية 1974 لمراقبة فض الاشتباك.
جهود الوساطة الدولية
في المقابل، تحدثت مصادر دبلوماسية أمريكية عن تقدم في المفاوضات، مشيرة إلى اقتراب الطرفين من صياغة اتفاق “خفض تصعيد” أولي، يتضمن التزامات متبادلة: توقف إسرائيل عن شن هجمات عسكرية داخل سوريا، مقابل التزام دمشق بعدم نشر معدات ثقيلة أو قوات قرب الحدود. ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه خطوة أولى نحو تفاهم أوسع يمكن أن يفتح الباب أمام تسوية أمنية شاملة.
استمرار التوغلات
رغم الجهود السياسية، لم تتوقف العمليات الميدانية. ففي أيلول الماضي وحده، سُجلت عدة حوادث بارزة:
28 أيلول: توغل 16 آلية إسرائيلية باتجاه بلدة صيدا الجولان، مع تنفيذ عمليات تفتيش قبل الانسحاب.
24 أيلول: مداهمة منازل في القرية نفسها دون اعتقالات.
18 أيلول: دخول وحدات عسكرية إلى تل الأحمر الشرقي، بالتزامن مع إنشاء سواتر ترابية.
17 أيلول: عملية أوسع شملت بلدات جباثا الخشب وأوفانيا وخان أرنبة، أسفرت عن اعتقال أربعة شبان.
كما شهد آب الماضي إنزالًا جويًا إسرائيليًا قرب مدينة الكسوة في ريف دمشق، في مؤشر على اتساع نطاق التحركات العسكرية الإسرائيلية جنوب سوريا.
مستقبل غامض
تكشف هذه التطورات عن مسارين متوازيين: تصعيد ميداني مستمر على الأرض، يقابله حراك دبلوماسي مكثف في المحافل الدولية. وبينما يرى البعض أن الاتفاق الأمني المرتقب قد يخفف منسوب التوتر، يبدي آخرون خشية من أن تستغل إسرائيل الوضع الراهن لتوسيع حضورها الميداني وتعزيز نفوذها في الجنوب السوري.