في وقت ما زالت فيه غزة تعيش تحت وطأة حرب مدمرة، تبرز خطط وإجراءات مقترحة لإدارة ما بعد الحرب. أحدث هذه الطروحات جاءت من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي عاد إلى المشهد بطرح دور استشاري ضمن ما يسمى "مجلس السلام" المدعوم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. غير أن تقريرًا تحليليًا لصحيفة الغارديان البريطانية حذّر من أن هذه المبادرة تحمل في طياتها "عيوبًا قاتلة" تجعل فرص نجاحها موضع شك، في ظل غياب الثقة بتاريخ بلير السياسي وتعقيدات الواقع الفلسطيني – الإسرائيلي.
سجل مثير للجدل
تذكّر الغارديان بأن سجل بلير في الشرق الأوسط ليس في صالحه؛ إذ تولّى سابقًا دور الموفد الدولي لـ "اللجنة الرباعية"، حيث اتُّهم من قبل الفلسطينيين بالانحياز لإسرائيل وبتشجيع مقاطعة حركة حماس بعد فوزها في انتخابات 2006، وهو ما ساهم في تعميق الانقسام بين غزة والضفة الغربية. هذا الإرث جعل عودته إلى المشهد السياسي محاطة بالتحفظ والريبة.
أولويات معكوسة
تقول التحليلات إن الخطة المقترحة تركّز على البعد الاقتصادي باعتباره مدخلًا للاستقرار، لكنها تتجاهل – أو تؤجّل – الحقوق السياسية الأساسية للفلسطينيين، وفي مقدمتها حق تقرير المصير والحكم الذاتي. ويرى منتقدون أن أي محاولة لإعادة إعمار غزة أو تحسين الوضع المعيشي ستظل هشة إذا لم تترافق مع إصلاحات سياسية وضمانات للحرية والتنقل والسيادة.
موت بالألف قطع
حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق أولي، ترى الغارديان أن إسرائيل قد تقبل مبدئيًا ببعض البنود، لكنها ستلجأ إلى سياسة العرقلة التدريجية – ما وصفه محللون بـ "الموت بالألف قطع" – بحيث يُفرغ الاتفاق من مضمونه عبر قيود أمنية وحواجز إدارية تعيق التنفيذ الفعلي.
غياب الإجماع السياسي
الصحيفة أشارت أيضًا إلى أن الخطة لا تحظى حتى الآن بدعم سياسي واضح، لا في بريطانيا ولا في أوساط أوروبية أوسع. نائب رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد لامي، صرّح بأنه "لا فكرة لديه" عن مضمون الخطة. هذا الغموض يعزز الاعتقاد بأنها قد تكون مجرد غطاء سياسي أكثر منها خطة عملية قابلة للتنفيذ.
تقرير الغارديان يضع خطة بلير في خانة "الطموحات النظرية" أكثر من كونها مشروعًا قابلًا للتطبيق. فبين إرث شخصي مثير للجدل، وانعدام الثقة الفلسطينية، وتعقيدات الموقف الإسرائيلي، تظل فرص تحويل هذه الرؤية إلى واقع على الأرض محدودة للغاية.
وعلى غرار خطط سابقة في المنطقة، فإن التركيز على إعادة الإعمار الاقتصادي دون منح الفلسطينيين ضمانات سياسية وحقوقًا أساسية قد يجعل المبادرة تسقط في نفس الفخاخ التي أودت بمشروعات "السلام الاقتصادي" السابقة.
توني بلير مواليد 1953 شغل منصب رئيس وزراء بريطانيا بين عامي 1997 و2007 عن حزب العمال. ارتبط اسمه بتحالف وثيق مع واشنطن في حرب العراق 2003، ما أثار جدلًا واسعًا وشوّه صورته في العالم العربي.
بعد خروجه من الحكم، عُيّن مبعوثًا خاصًا للجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط (2007 – 2015). ركّز خلال مهمته على مشروعات اقتصادية وتنموية في الأراضي الفلسطينية، لكن مساعيه فشلت في تحقيق اختراق سياسي حقيقي. الفلسطينيون اتهموه بالانحياز لإسرائيل، واعتبروا دعمه لعزل حركة حماس بعد انتخابات 2006 سببًا في تكريس الانقسام بين غزة والضفة.
استقال بلير من منصبه عام 2015 وسط انتقادات لعدم فاعلية دوره، لكنه استمر في العمل عبر "معهد بلير للتغيير العالمي" لتقديم الاستشارات لعدد من الحكومات. اليوم، عودته إلى ملف غزة من خلال "مجلس السلام" المدعوم من ترامب تثير تساؤلات حول مدى جديته في تقديم رؤية قابلة للتطبيق، في ظل إرث مثقل بالانتقادات والشكوك.