تبدو خطة السلام الأميركية التي طرحها الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة وكأنها ورقة على حافة الهاوية، مع منح حماس مهلة ثلاثة إلى أربعة أيام للرد، تتجه المنطقة نحو مرحلة حرجة تحمل في طياتها احتمالات صعبة بين التصعيد السياسي والعسكري.
فمن جهة، تواجه الخطة تحديات جوهرية مرتبطة بمواقف حماس، بتناقضات نتنياهو، ومعارضة اليمين الإسرائيلي المتطرف، ومن جهة أخرى، يظل العالم يترقب ما إذا كانت هذه الخطة ستصبح بداية حقيقية لتهدئة مستدامة، أم مجرد محاولة دبلوماسية تصطدم بالواقع المعقد على الأرض.
غموض الانسحاب ونزع السلاح… حماس بين قبول ورفض
تواجه حماس معضلة رئيسية تمثل نقطة الانطلاق لأي تفاوض، وهي غياب جدول زمني محدد للانسحاب الإسرائيلي من غزة، بينما تفرض الخطة أن يكون القطاع منزوع السلاح.
الباحث هيو لوفات بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قال: "الخطة قد تفتح باب التفاوض، لكن طلب القبول أو الرفض مباشرة يمثل تحدياً لحماس، خصوصاً مع غموض الالتزامات الإسرائيلية."
بدوره، أوضح المحلل السياسي إياد القرا من غزة أن الأسلحة في القطاع محلية وخفيفة وليست هجومية ثقيلة كما يعتقد البعض، ما يجعل من عملية النزع خطوة سياسية صعبة.
وأكّد عضو المكتب السياسي في حماس، حسام بدران، أن الحركة ترحب بأي مقترحات حل شريطة ألا تتعارض مع مبادئها الأساسية، مشدداً على حق المقاومة المشروع وفق القوانين الدولية.
نتنياهو… تناقض بين الالتزام الدولي وضغوط الداخل
يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عامل عدم استقرار إضافي في تنفيذ الخطة. فقد أعلن في فيديو رسمي أن الجيش سيبقى في غزة، بما يتناقض مع نصوص الخطة الأميركية التي تتضمن انسحاباً تدريجياً.
أستاذة العلوم السياسية جاييل نتلشير من الجامعة العبرية قالت:"نتنياهو يتحدث بصوتين: أحدهما للمجتمع الدولي والآخر لقاعدته الانتخابية، معتمداً على رفض حماس للاتفاق أو تقديم شروط يمكن لإسرائيل رفضها لاحقاً."
ويشير مراقبون إلى أن نتنياهو قد يسعى إلى تمديد الحرب لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، خصوصاً فيما يتعلق بالرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، ما يزيد تعقيد المشهد أمام أي اتفاق دولي.
اليمين المتطرف… رفض قاطع لأي تنازل
تشكل المعارضة الشديدة من وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو العقبة الثالثة في طريق تنفيذ الخطة.
انتقد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الخطة واعتبرها "فشلاً دبلوماسياً مدوياً"، فيما وصف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الخطة بأنها غير قابلة للتطبيق.
وأشارت نتلشير إلى أن اليمين الإسرائيلي يأمل برفض حماس للاتفاق، ما يتيح استمرار العمليات العسكرية، في حين أن قبول الحركة سيضع نتنياهو أمام انقسام حكومي داخلي حاد.
كما رفض اليمين أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة، واعتبر إقامة دولة فلسطينية خطاً أحمر، في حين تركت الخطة الأميركية هذا الملف مفتوحاً.
بنود الخطة الأميركية
الخطة التي نشر البيت الأبيض بنودها العشرين تضمنت:
قوة استقرار دولية مؤقتة لتعزيز الأمن في غزة.
مجلس سلام مؤقت برئاسة ترامب وعضوية رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
إشراك السلطة الفلسطينية لاحقاً في إدارة القطاع، دون دور مباشر مبدئي.
انسحاب تدريجي لإسرائيل مقابل ضمانات أمنية دولية.
ترامب أشار إلى أن نتنياهو كان معارضاً لأي قيام دولة فلسطينية، وهو ما تركته الخطة مفتوحاً للتفاوض مستقبلياً.
ضبابية وأفق مفتوح
تواجه خطة ترامب للسلام في غزة تحديات مركبة:
حماس بين خيارين صعبين: رفض الخطة بما قد يصورها كمعرقل للسلام، أو قبولها بصيغتها الحالية بما قد يحد من قدرتها العسكرية وشرعية المقاومة.
نتنياهو يسعى للتوازن بين الالتزامات الدولية وضغوط قاعدته اليمنية.
اليمين المتطرف يفرض شروطاً صارمة لإنهاء العمليات العسكرية ويرفض أي تنازل بشأن الدولة الفلسطينية المستقبلية.
يبقى مستقبل الخطة في غزة غير مؤكد، وسط رهانات دولية وإقليمية على استجابة حماس، واستقرار الحكومة الإسرائيلية، وقدرة المجتمع الدولي على ضمان أي التزام تنفيذي على الأرض.