الإعلام الرقمي والحملات الانتخابية اللبنانية

2025.10.01 - 10:53
Facebook Share
طباعة

 يُعد الإعلام الانتخابي أحد المحركات الأساسية للعملية الانتخابية، إذ يشكل الوسيلة الرئيسية لتوجيه الرأي العام وتمكين الناخبين من الاطلاع على برامج المرشحين ورؤاهم السياسية. ومع التحول الرقمي وظهور وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات مؤثرة وواسعة الانتشار، انكشفت ثغرات في التشريعات اللبنانية، ما يطرح تحديات عملية وأخلاقية تحتاج إلى معالجة عاجلة.

ساهمت القوانين الانتخابية في لبنان، ولا سيما القانون رقم 44/2017، في وضع أطر لتنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيين، بهدف ضمان الشفافية ومنع استخدام الإعلام كأداة للتضليل أو التحريض. وعرّف القانون الإعلام الانتخابي بأنه كل محتوى إعلامي يتناول الانتخابات بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن البرامج العادية للمؤسسات الإعلامية، بينما يعرف الإعلان الانتخابي بأنه المحتوى المدفوع الذي يُعرض ضمن المساحات الإعلانية للمؤسسات الإعلامية.

ورغم هذه التعريفات، يظهر الواقع الإعلامي تغييرات جوهرية بفعل الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت ساحة أساسية للحملات الانتخابية. وقد تجاوزت هذه المنصات الوسائل التقليدية التي ينص عليها القانون، ما أدى إلى ضعف الرقابة القانونية على المحتوى الرقمي، وخلق منطقة رمادية تتعلق بالمسؤولية القانونية عن المحتوى المنشور.

يشير القانون اللبناني إلى مجموعة من الالتزامات التي يجب على المرشحين والمؤسسات الإعلامية الالتزام بها، منها الامتناع عن التشهير أو التحريض، ومنع بث المحتوى الطائفي أو العنصري، والتحفظ عن تقديم وعود مادية أو معنوية للناخبين، وضبط نقل المعلومات وعدم تحريفها. كما حدد القانون عقوبات على المخالفين، وهو ما يعكس اهتمام المشرع بضمان نزاهة العملية الانتخابية إعلامياً وإعلانياً.

مع ذلك، تواجه هذه الأحكام تحديات كبيرة في السياق الرقمي الحديث. تعتمد الحملات الانتخابية بشكل متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي، التي توفر للمرشحين القدرة على التواصل المباشر مع الجمهور دون المرور بالوسائل التقليدية. هذا التوجه يجعل من الصعب ضبط المحتوى أو ملاحقة المخالفين، خاصة مع وجود حسابات وهمية وأدوات لإخفاء الهوية وإمكانية حذف أو تعديل المنشورات بسرعة.

تُظهر الثغرات القانونية عدة نقاط جوهرية: أولاً، غياب تعريف واضح لوسائل الإعلام الرقمية والمنصات الإلكترونية الحديثة، إذ يركز القانون على الإعلام التقليدي فقط. ثانياً، عدم وجود أحكام خاصة بالدعاية والإعلان على هذه المنصات، رغم أنها أصبحت المنبر الأبرز للحملات. ثالثاً، ضعف الرقابة التقنية، ما يسمح بانتشار الحسابات الوهمية والمحتوى غير القانوني. رابعاً، محدودية صلاحيات هيئة الإشراف على الانتخابات في مراقبة الحملات الرقمية، وغياب التنسيق المؤسسي مع شركات المنصات الإلكترونية.

إضافة إلى ذلك، يعاني القانون من صعوبة ضبط حجم الإنفاق على الحملات الرقمية، وخلط التصنيف بين الإعلام الرقمي والدعاية والإعلان، ما يتيح استغلال هذه الثغرات لتجاوز القواعد القانونية المفروضة على الحملات الانتخابية التقليدية.

من هنا تبرز الحاجة إلى سلسلة من الإصلاحات التشريعية لتعزيز الرقابة القانونية على الإعلام الانتخابي الرقمي. وتشمل هذه الإصلاحات: تعديل القانون لتوضيح تعريف الإعلام الرقمي وإدراج وسائل التواصل ضمن نطاق الضبط القانوني، وضع أحكام واضحة لتنظيم الحملات الانتخابية الرقمية وتحديد سقف إنفاقها، إلزام المرشحين بالتصريح عن أنشطتهم الدعائية الرقمية، واستحداث جهاز رقابي متخصص لرصد الحملات الرقمية مزود بالصلاحيات القانونية والتقنية والموارد اللازمة.

كما تشمل التوصيات تعديل النظم المتعلقة بالإنفاق الانتخابي لتشمل الحملات الرقمية بشكل صريح، فرض عقوبات صارمة على المخالفات الرقمية تصل إلى حد إلغاء الترشيح عند الضرورة، وتجريم نشر الأخبار المضللة أو الكاذبة على المنصات الإلكترونية. ويعتبر تعزيز التنسيق بين هيئة الإشراف على الانتخابات والشركات المالكة للمنصات الرقمية خطوة أساسية لضمان الرقابة الفعالة ومنع استغلال الثغرات.

تبرز هذه التحديات والإصلاحات المقترحة كضرورة ملحة في ظل التحول الرقمي المتسارع، الذي يجعل الإعلام الانتخابي الرقمي محورياً في العملية الانتخابية، سواء من حيث سرعة الانتشار أو تأثيره الكبير على الرأي العام. كما أن نجاح أي إصلاحات يعتمد على توفير آليات مراقبة تقنية وتشريعية متكاملة، لضمان تحقيق الشفافية والنزاهة في الحملات الانتخابية، والحفاظ على ثقة المواطنين في النظام الديمقراطي.

في الختام، يشكل الإعلام الرقمي اليوم أداة حيوية وفعالة في الانتخابات، إلا أن قصور التشريعات الحالية يفرض الحاجة إلى مراجعة شاملة، لضمان توافق الوسائل الحديثة مع الأطر القانونية، وتحقيق التوازن بين حرية التعبير والضوابط القانونية، بما يعزز الشفافية ويكفل نزاهة العملية الانتخابية في لبنان.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 1