لبنان: إنفاق ضخم على مشاريع غير مكتملة

2025.10.01 - 10:52
Facebook Share
طباعة

 يواجه مجلس الإنماء والإعمار اللبناني، مع رئيسه السابق، دعاوى قضائية تتعلق بملف مشاريع الصرف الصحي التي لم تدخل الخدمة، وتجاوزت كلفتها نحو مليار دولار. ويشمل الملف سلسلة من التلزيمات التي أثارت تساؤلات حول إدارة الأموال العامة، ومصداقية المناقصات، وفعالية الرقابة على تنفيذ المشاريع.


أثار التقرير الأخير لديوان المحاسبة قلقًا واسعًا، إذ كشف عن إنفاق نحو مليار دولار على مشاريع صرف صحي على مدى أكثر من عشرين عامًا، بينما بقيت عشرات المحطات خارج الخدمة، وحوّلت إلى منشآت غير فاعلة. وأوضح التقرير أن نحو 800 مليون دولار من هذا المبلغ أنفقها المجلس على محطات وشبكات، غالبيتها إما متوقفة عن العمل أو تعمل بمستوى محدود.


الملاحظ أن بعض المحطات تم إنجازها دون ربطها بشبكات لتوصيل المياه المبتذلة، بينما تم إنشاء شبكات في مناطق لا يوجد فيها محطات معالجة. كذلك، تم رصد محطات تفتقر إلى أحواض المعالجة الأولية، أو أُقيمت في مواقع غير مناسبة، في حين تعاني محطات أخرى ضغطًا يفوق قدرتها الاستيعابية. النتيجة المباشرة لهذه المشاريع غير المكتملة هي استمرار تدفق المياه الملوثة في الأنهار، بما في ذلك نهر الليطاني، واستخدامها في الشرب والزراعة لأعداد كبيرة من السكان.


أحد أسباب العجز عن إنجاز المشاريع يتمثل في آليات المناقصات المعقدة، حيث يقدم المتعهدون عروضًا منخفضة لأحد البنود ويتعثر في تنفيذ البند الآخر. كما يلجأ البعض لاحقًا إلى طلب تعديلات على الأسعار أو المواصفات بحجة تعديل الكلفة، ما يؤدي إلى تحويل التمويل إلى فروقات أسعار تزيد أرباح المتعهدين، فيما تبقى المشاريع جزئية أو غير مكتملة.


التقرير يشير أيضًا إلى ممارسات احتيالية تشمل تواطؤًا بين المتعهد والاستشاري وإدارة المجلس، ما يسهم في استمرار منظومة مبتورة وغير متكاملة. هذه الممارسات لا تقتصر على الصرف الصحي فقط، بل تشمل مشاريع البنية التحتية الأخرى، مثل الطرقات، حيث يتم تنفيذ البنود الجزئية فقط، وتحويل باقي التمويل إلى فروقات الأسعار دون تنفيذ كامل للواجبات.


تسليط الضوء على هذا الملف يبرز أهمية تعزيز دور الهيئات الرقابية والقضاء المالي في متابعة المشاريع العامة، وفحص دفاتر الشروط، وملفات التلزيم، ومحاضر الاستلام، إضافة إلى قرارات مجلس الإدارة المتعلقة بالمشاريع. ويبرز التقرير أيضًا الحاجة إلى وضوح ودقة أكبر في صياغة دفاتر الشروط، وتعزيز دور هيئة الشراء العام ومفوّض الحكومة، لضمان متابعة فعالة وتنفيذ المشاريع وفق المعايير المطلوبة.


كما يلاحظ أن بعض القروض والمشاريع الممولة دوليًا تُطبق وفق قواعد الشراء الخاصة بالمؤسسات المانحة، وليس وفق قانون الشراء العام اللبناني، ما يستدعي تدريب الإدارة وديوان المحاسبة على هذه القواعد لضمان الرقابة الفعالة على الإنفاق.


الملف يفتح نقاشًا واسعًا حول جدوى مشاريع البنية التحتية في لبنان، وضرورة مراجعة الإجراءات والآليات لضمان تنفيذ المشاريع الممولة بالكامل، وتحقيق الفائدة المرجوة من الإنفاق العام، وتفادي الهدر المتكرر الذي يؤثر على البيئة والصحة العامة، وعلى حياة السكان في مناطق متفرقة من البلاد.


يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن السلطات من استكمال التحقيقات، ومعالجة الخلل في إدارة المشاريع، وتطبيق معايير صارمة تمنع تكرار الهدر في المستقبل؟ الإجابة على هذا السؤال تحدد مدى قدرة لبنان على إدارة موارده العامة بكفاءة وتحقيق التنمية المستدامة في قطاع حيوي كالصرف الصحي.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9