بين فوضى الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، أصبحت الثروات المعدنية في اليمن هدفاً لشبكات تهريب منظمة تعمل بعيداً عن سلطة الدولة، الأحجار الكريمة والمعادن النادرة تُستخرج وتُباع بأسعار زهيدة محلياً، بينما تصل قيمتها الحقيقية في الأسواق العالمية إلى ملايين الدولارات، فيما يبقى الاقتصاد اليمني عاجزاً عن الاستفادة من هذه الموارد الحيوية لتعزيز الخدمات الأساسية وتحقيق استقرار مالي ولو جزئي.
رحلة التهريب من المناجم إلى الخارج:
من المناجم البدائية في شبوة وأبين ولحج والبيضاء، تنقل الأحجار والمعادن إلى الموانئ والمنافذ الحدودية، غالباً بوثائق مزورة أو عبر شاحنات محمية من قوى نافذة، استخراج الأحجار يتم بطرق بدائية، فيما تُخزَّن الشحنات في مواقع سرية قبل تهريبها إلى الخارج.
تتراوح أسعار الأحجار محلياً بأسعار زهيدة، بينما تصل قيمتها في الأسواق العالمية إلى مئات آلاف الدولارات للطن، ما يظهر الفجوة الهائلة بين الربح المحلي والعائد الدولي. المعادن النادرة مثل الرمال السوداء، المستخدمة في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، تُهرَّب أيضاً عبر منافذ بحرية وبرية، متجاوزة القوانين التي تلزم الحصول على تصاريح رسمية من الحكومة.
شبكات التهريب وطرقها:
تتحكم القبائل المحلية غالباً في عمليات التعدين والتجارة، مستفيدة من ضعف الرقابة الأمنية في محافظات مثل شبوة وأبين ولحج، إضافة إلى المناطق الصحراوية والمنافذ المفتوحة على الدول المجاورة. في محافظة المهرة، تستخدم الشبكات طرقاً صحراوية طويلة تصل إلى سلطنة عمان، كما تُستغل طرق بحرية لإدخال الأحجار والمعادن خارج نطاق القانون، مع دفع مبالغ مالية لضمان عدم تفتيش الشحنات.
اقتصاد موازٍ وانهيار الدولة:
وفق الجزيرة نت، تشير التقديرات إلى خسائر سنوية تتراوح بين 100 و250 مليون دولار، مستمدة من تهريب الأحجار والمعادن مثل الإيولايت والجاد والعقيق والنحاس والذهب. هذه التجارة تشكل اقتصاداً موازياً، يستنزف الموارد ويضعف السيادة الوطنية، ويحول دون تنفيذ أي إصلاح اقتصادي أو تعافي مالي في ظل الحرب المستمرة.
ثغرات قانونية وفساد إداري:
رغم وجود قانون المناجم والمحاجر رقم (22) لسنة 2010، فإن الواقع يعكس استخراجاً وتجارة خارج الإطار الرسمي، مع تجاوزات وفساد داخل بعض الهيئات الرقابية. الوثائق الرسمية أحياناً تُستغل لتبرير شحنات غير مرخصة، بينما يتم تحصيل رسوم جزئية على المخالفات تُقسّم بين متنفذين، دون أن تصل إلى خزينة الدولة.
الهيئة المسؤولة عن التراخيص تؤكد عملها وفق القانون، لكنها تعترف بصعوبة الرقابة على المساحات الجغرافية الواسعة، تسهيل دخول شركات تستغل المواطنين لتحقيق أرباح ضخمة، ما يعكس اختلالاً حاداً بين نصوص القانون والتطبيق الفعلي.
عواقب وخيمة على الاقتصاد والمجتمع:
في ظل هذا الانفلات، يتحول التعدين إلى مصدر ثروة شخصي للشبكات المسيطرة، بينما يبقى المواطن اليمني محرومًا من فرص التنمية، والخزينة الحكومية عاجزة عن تحصيل موارد كان من الممكن أن تدعم الخدمات الأساسية. الثغرات القانونية، وانعدام التنسيق بين الهيئات، والفساد المنتشر، تجعل من تجارة الأحجار والمعادن أحد أبرز العوامل التي تُفاقم الأزمة الاقتصادية في اليمن، مستنزفة الثروات الوطنية ومرهقة المجتمع في خضم حرب لا تنتهي.