لم ينجح مجلس النواب في عقد جلسته التشريعية الأخيرة، بعدما فشل رئيس المجلس في تأمين النصاب القانوني، لتعود الأسئلة حول دور المقاطعة، والجهة التي تتحمل مسؤولية تعطيل العمل التشريعي، وحدود انعكاس ذلك على القوانين الإصلاحية المنتظرة.
مشهد الجلسة: مقاطعة مدروسة
منذ الصباح، كان واضحاً أن جزءاً وازناً من النواب قرروا عدم حضور الجلسة، نواب القوات اللبنانية والكتائب وعدد من المستقلين والتغييريين اتخذوا خيار المقاطعة، ما دفع رئيس المجلس إلى رفع الجلسة بعد نصف ساعة فقط من موعدها المحدد، الرسالة من وراء هذا الغياب لم تكن خافية: الضغط لفرض تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب الحالي، وإعادة فتح النقاش حول مشاركة المغتربين في اختيار كامل أعضاء البرلمان.
جدل صلاحيات واتهامات متبادلة:
مواقف النواب انقسمت بين من يرفض تعطيل النصاب، ومن يعتبر المقاطعة وسيلة سياسية مشروعة، كتلة اللقاء الديمقراطي شددت على أنها ضد التعطيل، ورأت أن تعديل المادة 112 من قانون الانتخاب هو المدخل الطبيعي لتوسيع قاعدة المشاركة عبر السماح للمغتربين بالاقتراع لـ128 نائباً. في المقابل، اعتبر نواب آخرون أن المقاطعة ليست تعطيلًا بل محاولة لتصويب المسار النيابي، وإجبار رئيس المجلس على إدراج القوانين المعجلة المكررة ضمن جدول الأعمال.
خلف الكواليس: صراع على الأجندة
أبرز ما ظهر خلال السجال هو الاتهام الموجه إلى رئاسة المجلس بالتحكم في جدول الأعمال وفق اعتبارات سياسية وانتخابية.
هذا الطرح وضح انتقادات نواب معارضين تحدثوا عن تغييب مقترحات إصلاحية مهمة، مثل قانون اللامركزية الإدارية، في حين يجري التركيز على قضايا تخدم مصالح فريق سياسي محدد، الاتهام وصل حد القول إن المجلس يُدار بأجندة شخصية، وإن تعطيل جلسات انتخاب الرئيس في السابق يعاد إنتاجه اليوم بطرق مختلفة.
مفاعيل التعطيل على القوانين الإصلاحية:
التباين القانوني حول مصير القوانين التي أُقرت في جلسة سابقة من دون ختم المحضر فتح نقاشاً واسعاً. البعض رأى أن هذه القوانين نافذة حكماً، فيما أصر آخرون على أن عدم التصديق على المحضر يجمّدها لحين انعقاد جلسة جديدة. وسط هذا التباين، يطرح سؤال جوهري: هل يعكس التعطيل صراعاً حول القوانين الإصلاحية ذاتها، أم هو مجرد أداة ضغط لتغيير موازين القوى في قانون الانتخاب؟
أزمة ثقة تتفاقم:
ما يجري في البرلمان يعكس أزمة أعمق من مجرد نصاب أو محضر. هي أزمة ثقة متبادلة بين الكتل، حيث يرى فريق أن المجلس يُدار بطريقة انتقائية، فيما يتهم الفريق الآخر خصومه بالتهرّب من مسؤولياتهم الدستورية عبر الغياب. هذه الثقة المفقودة تجعل أي محاولة للتوافق صعبة، وتحوّل كل جلسة إلى ساحة اختبار سياسي.
تداعيات على الانتخابات المقبلة:
أحد أبرز محاور الخلاف يتمثل في مصير الاستحقاق الانتخابي المقبل. هناك أكثرية نيابية تعلن رفضها لأي تأجيل للانتخابات، وتعتبر المقاطعة جزءاً من معركة منع التمديد المقنّع. في المقابل، يُخشى أن يؤدي انسداد الأفق السياسي إلى فراغ جديد، مع عجز المجلس عن تمرير تعديلات ضرورية مثل اعتماد الميغاسنتر أو تمكين المغتربين من التصويت الكامل.
الخلاصة: مجلس معطّل أم مؤسسة تحت الضغط؟
بين اتهام رئيس المجلس بعرقلة الإصلاحات، واتهام نواب المعارضة بالمزايدة عبر المقاطعة، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام مشهد مأزوم جديد. النصاب لم يكتمل، القوانين معلقة، والانتخابات المقبلة باتت رهينة شد الحبال السياسي. ما يظهر في العلن هو تعطيل متبادل، أما في العمق فهو صراع على قواعد اللعبة الديمقراطية، وحول من يمتلك القدرة على توجيه مسارها.