قطر ورسائل الدعم إلى لبنان.. بين تثبيت الاستقرار وتعزيز النفوذ الإقليمي

2025.09.30 - 12:56
Facebook Share
طباعة

في لحظة سياسية شديدة التعقيد يمرّ بها لبنان، سلّم السفير القطري في بيروت الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني رسالة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الرئيس اللبناني جوزيف عون، أكّد فيها دعم الدوحة للمؤسسات الوطنية اللبنانية، وعلى رأسها الجيش. هذا الموقف يأتي في ظل أزمة سياسية واقتصادية خانقة، وفي وقت تتصاعد فيه التوترات على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، ما يمنح الرسالة القطرية بعدًا يتجاوز الدعم البروتوكولي إلى محاولة رسم دور إقليمي مؤثر.

لم يكن اهتمام الدوحة بالمؤسسة العسكرية اللبنانية جديدًا، فقد سبق لقطر أن أرسلت مساعدات مالية ولوجستية للجيش منذ عام 2006، خصوصًا بعد حرب تموز، حين تبنّت مشاريع إعادة إعمار في الجنوب. اليوم، يتجدّد هذا الدعم في ظرف أشدّ حساسية، حيث يُعاني الجيش من ضائقة مالية أدّت إلى تراجع قدرته التشغيلية، بينما يُنظر إليه كالمؤسسة الوحيدة المتماسكة نسبيًا وسط انهيار مؤسسات الدولة الأخرى.

تأكيد أمير قطر على القرار 1701 يربط بوضوح بين دعم الجيش وبين التوازن المطلوب في الجنوب اللبناني، حيث يمثّل الجيش الضمانة الشكلية لتطبيق القرار الدولي الذي ينظم وجود القوات الدولية (اليونيفيل) ويحدّ من احتمالات التصعيد بين حزب الله وإسرائيل.

قطر بين واشنطن وطهران والرياض

الرسالة القطرية لا يمكن فصلها عن حسابات إقليمية دقيقة:

مع واشنطن: قطر تُعزز صورتها كحليف قادر على حفظ الاستقرار في واحدة من أكثر الجبهات حساسية لإسرائيل. الدعم المباشر للجيش اللبناني يمنحها رصيدًا إضافيًا في علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

مع طهران وحزب الله: تحافظ الدوحة على قنوات تواصل مع إيران وحلفائها، ما يجعلها قادرة على لعب دور "الوسيط الموثوق". دعم الجيش قد يُفهم كرسالة تطمين بأن قطر لا تسعى إلى تهميش الحزب، بل إلى تحقيق توازن يحول دون الانفجار الكامل.

مع السعودية والخليج: في وقت تتردّد فيه دول خليجية أخرى في الانخراط العميق بالملف اللبناني، تظهر قطر في موقع الفاعل الأساسي، ما يمنحها نفوذًا إضافيًا في الساحة العربية.

بين التوازن الطائفي والأزمة الاقتصادية

يأتي الموقف القطري بينما يغرق لبنان في أزمة اقتصادية غير مسبوقة جعلت رواتب العسكريين تفقد قيمتها الشرائية بشكل كبير. دعم الجيش يوفّر "أكسجينًا سياسيًا واقتصاديًا" لمؤسسة أساسية تمنع الانزلاق إلى الفوضى الكاملة.

في الداخل، يُنظر إلى الدعم على أنه محاولة لإعادة التوازن بين مؤسسات الدولة وبين القوى غير الرسمية (خصوصًا حزب الله). ورغم أنّ بعض الأطراف قد ترى فيه تعزيزًا للنفوذ الخليجي على حساب قوى أخرى، إلا أن الغالبية تدرك أن بقاء الجيش قويًا يصبّ في مصلحة الجميع، إذ يشكّل مظلة وطنية جامعة في بلد يتفتّت على أسس طائفية.

توقيت الرسالة

تصاعد التوتر على الحدود: يأتي الدعم القطري في وقت يشهد فيه الجنوب اللبناني استنفارًا متصاعدًا، ما يجعل تثبيت الجيش على خطوط التماس أولوية.

الفراغ السياسي: استمرار الجمود في انتخاب رئيس للجمهورية يجعل من الجيش لاعبًا محوريًا في منع الفراغ الأمني.

التنافس على أدوار الوساطة: بينما تنشغل أطراف إقليمية أخرى بأولويات مختلفة (حرب غزة، الأزمة اليمنية، التوتر في البحر الأحمر)، تجد قطر في لبنان مساحة لإعادة التأكيد على دورها كوسيط إقليمي.

لبنان بين الدعم الخارجي والتحديات الداخلية

تجدد الدعم القطري للمؤسسات الوطنية اللبنانية، وفي مقدمتها الجيش، ليس مجرد لفتة تضامنية، بل رسالة سياسية مركبة: حماية الاستقرار اللبناني، تثبيت القرار 1701، وفتح الباب أمام دور إقليمي فاعل للدوحة في إدارة التوازنات اللبنانية – الإسرائيلية.

لكن نجاح هذا المسعى يظل مرهونًا بعوامل داخلية لبنانية معقدة، بدءًا من الانقسام السياسي الحادّ، وصولًا إلى الأزمة الاقتصادية العميقة، مرورًا بمدى قدرة الجيش نفسه على الصمود في وجه الضغوط. وبينما تواصل قطر تحريك خيوط دعمها، يبقى السؤال: هل يكفي الدعم الخارجي لإبقاء لبنان واقفًا على قدميه، أم أنّ الأزمات البنيوية ستبتلع أي محاولة إنقاذ مهما كانت جادّة؟ 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 2