لبنان يغيب عن ملف توطين الفلسطينيين

2025.09.30 - 10:38
Facebook Share
طباعة

 تصاعد التوتر خلال السنوات الأخيرة بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، على خلفية نهج الوكالة في تقليص الخدمات الأساسية الموجهة للاجئين، سواء المقيمين منذ عقود في لبنان أو القادمين من سوريا خلال سنوات الحرب.


وقد انعكست هذه السياسات على حياة اللاجئين اليومية، ما دفع الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية والمؤسسات الأهلية لتنظيم سلسلة احتجاجات شملت إغلاق مقرات «الأونروا» في بيروت ومناطق المخيمات، إلى جانب اعتصامات نسائية وشبابية ونقابية. كما أصدرت هذه الفصائل بيانات عدة تنتقد تقليص الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وتؤكد على غياب التنسيق مع الجهات الفلسطينية ومقابلة الواقع الميداني بما يتناقض مع الادعاءات الرسمية للوكالة بالالتزام بالمعايير الدولية.


تشير المؤشرات الميدانية إلى تراجع ملموس في الخدمات: فقد انخفض عدد المدارس في لبنان من 87 إلى 60 مدرسة خلال 15 عاماً، بينما تم هذا العام شطب 100 معلم مياوم وإغلاق 88 شعبة صفية. كما تراجع عدد الموظفين الثابتين من 3,545 في 2022 إلى 2,834 في العام الجاري، فيما تقلصت الموازنة المخصصة للبنان من 200 مليون دولار إلى 165 مليون دولار، ولم تُصرف كاملة من قبل إدارة الوكالة.


أما في القطاع الصحي، فقد شُهد تراجع واضح في تقديم الأدوية والخدمات الطبية، بما في ذلك الأدوية للأمراض المزمنة، وتغطية العمليات الجراحية، وأيام الاستشفاء، إضافة إلى إغلاق بعض المراكز الصحية مثل عيادة النبطية، ما يفاقم الأوضاع الإنسانية.


ويأتي هذا التراجع رغم نتائج دراسة سابقة أظهرت أن 95% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، ما يجعلهم بحاجة ماسة إلى الخدمات الأساسية التي يجري تقليصها.


ويرتبط هذا التراجع بعدد من التطورات الإقليمية والدولية، أبرزها تراجع الدعم الدولي لـ«الأونروا»، التوجه الأميركي لإنهاء عمل الوكالة، التشريعات الإسرائيلية الرامية إلى إنهاء وجودها في القدس والضفة وغزة، ومحاولات إسقاط حق العودة، إضافة إلى صمت المجتمع الدولي تجاه استهداف مقرات الوكالة وموظفيها في غزة، حيث تضررت أكثر من 300 مركز وخلّفت مقتل 250 موظفاً.


وفي لبنان، تشير التقديرات إلى أن سياسات إدارة الوكالة تتماشى جزئيًا مع المخططات الدولية لتقليص دور «الأونروا»، ما يهدد بظهور أزمات اجتماعية وإنسانية جديدة، وزعزعة الاستقرار في المخيمات الفلسطينية، وربما فتح الباب أمام مشاريع توطين اللاجئين في البلاد نتيجة تراجع الدعم الدولي.


أما السيناريوهات المطروحة أمام لبنان فتشمل الإنهاء المفاجئ لعمل «الأونروا» وتحميل مسؤولياتها للدولة اللبنانية، أو التقليص التدريجي للخدمات ونقلها إلى وزارات الدولة اللبنانية مع تمويل دولي مؤقت وغير مضمون، وهو ما يتعارض مع الدستور اللبناني ويثير مخاوف من التفريط بحق العودة واتهام لبنان بالتماهي مع المطالب الإسرائيلية.


وأكدت مؤشرات سياسية أن عملية تصفية دور الوكالة بدأت فعليًا من خلال التنسيق بين المفوضية الأوروبية وقيادة «الأونروا» لنقل بعض مهامها تدريجياً إلى السلطة الفلسطينية، ما يشير إلى تحوّل الملف من قضية دولية إلى أزمة لبنانية داخلية محتملة تهدّد التوازنات الوطنية والطائفية.


يبقى السؤال الكبير مطروحاً: لماذا يغيب لبنان الرسمي عن مواجهة هذه التطورات، رغم أنه سيكون الطرف المتضرر الأول سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا؟ استمرار الصمت الرسمي قد يضع لبنان أمام أخطر ملف في تاريخه الحديث، ويزيد من احتمالات نشوء أزمات إنسانية وتهديد استقرار المخيمات الفلسطينية والأمن الداخلي بشكل عام.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3