تصاعدت حدة التوتر السياسي في لبنان بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نواف سلام، وسط خلافات مستمرة حول أداء الأجهزة الأمنية والجيش، في وقت شدّدت فيه مصادر صحفية لبنانية على أن الأزمة الحالية تعكس أزمة ثقة متعمقة بين الرئاستين الأولى والثالثة.
بدأ الخلاف بعد الحملة التي شنّها سلام ضد الأجهزة الأمنية والجيش، متهمًا إياهم بالتقصير، خصوصًا قائد الجيش رودولف هيكل، ومطالبًا بمحاسبته. كما روّج فريقه لفكرة أن عون نفسه أصدر توجيهات بعدم التصادم مع المواطنين خلال الأحداث الأخيرة، معتبرًا أن الرئيس وقف خلف بيان وزير الدفاع ميشال منسى.
ردّ عون على هذه الحملة بخطوة رمزية سياسية عالية السقف، حيث قام بتقليد قائد الجيش وسام الأرز من رتبة الوشاح الأكبر، تقديرًا لعطاءاته ومهامه القيادية في حماية الأمن الوطني ومتابعة الأوضاع في الجنوب وسائر المناطق اللبنانية. وذكرت المصادر الصحفية اللبنانية أن هذه الخطوة تمثل دعمًا مباشرًا للجيش في مواجهة أي محاولات للضغط أو الاصطياد السياسي، إذ أن منح الوسام الأعلى عادة ما يكون في ختام ولاية المسؤول أو لرؤساء سابقين، لكن عون أراد توجيه رسالة واضحة لتحديد أدوار المؤسسات وفرض حدود النفوذ.
وقالت المصادر نفسها إن هذه الخطوة وصلت بسرعة إلى رئيس الحكومة، الذي اعتبرها تحديًا مباشرًا، ورفعت حدة انتقاداته للرئيس عون، متهمًا إياه بالانحياز إلى الفريق الآخر والسعي لتقويض صلاحيات الحكومة.
في المقابل، بدا الرئيس عون أكثر تناغمًا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي وصف لقائه بالقصر الجمهوري بأنه “كالعادة ممتاز”، مؤكدًا متابعة مواضيع الساعة ونتائج لقاءات عون في نيويورك، ووضعه في صورة التطورات الأخيرة في بيروت. وأكدت المصادر الصحفية اللبنانية أن بري حاول تهدئة الأجواء وتطويق تداعيات فعالية صخرة الروشة، محاولًا منع أي تصعيد جديد في العلاقة مع الحكومة.
كما أطلعت المصادر على أن عون وصف زيارته الأخيرة إلى نيويورك بأنها كانت سلبية، إذ لاحظ تجاهل الوفد اللبناني في بعض الملفات لصالح التركيز على الرئيس السوري أحمد الشرع، ما زاد من حدة الأزمة السياسية عند عودته إلى بيروت.
وتشير الأوساط الصحفية إلى أن هذه الأزمة ليست عابرة، بل كشفت عن تباينات كبيرة وأزمة ثقة عميقة بين عون وسلام، خصوصًا بعد أن أدخل رئيس الحكومة الأجهزة الأمنية في الخلاف من دون مبرر واضح، ما وضع الجيش في موقف صعب أمام الرأي العام والمجتمع الدولي، وأثار مخاوف من استغلال أي خلل في السيطرة الأمنية لتعطيل خطط حصر السلاح أو كذرائع للتوغلات الإسرائيلية في لبنان.
وبحسب المصادر، فإن موقف عون يهدف إلى الحفاظ على استقلالية الجيش اللبناني وحماية المؤسسة العسكرية من التسييس، في وقت تحاول بعض الأطراف السياسية استغلال الأحداث الأخيرة لتصفية حسابات سياسية، على حساب الأمن الوطني واستقرار البلاد.
وفي ضوء هذه التطورات، أكدت الصحف اللبنانية أن العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة تمر بأول أزمة سياسية حقيقية منذ بداية العهد، وأن التباينات في وجهات النظر والتعامل مع الأجهزة الأمنية قد تترك آثارًا بعيدة المدى على الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، ما يستدعي تدخل الوسطاء السياسيين لتفادي أي تصعيد إضافي قد يعقّد المشهد الداخلي.
ختامًا، تشدد المصادر الصحفية على أن دعم الرئيس عون لقائد الجيش يمثل رسالة واضحة لكل الأطراف بأن الجيش اللبناني يظل المؤسسة الوطنية العليا، وأن أي محاولات لتسييس دوره ستواجه بمواقف حازمة للحفاظ على أمن واستقرار البلاد، خصوصًا في ظل التحديات الإقليمية والتهديدات الأمنية المحيطة بلبنان.