تشهد الساحة الدولية تحولات متسارعة في ملف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، حيث تتسارع الحملات الإعلامية والسياسية المناهضة لإسرائيل على خلفية الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، بينما تكشف الدبلوماسية الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب عن مسار جديد قد يغير قواعد اللعبة في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن حملة مناهضة لإسرائيل تكتسب زخماً متصاعداً منذ أشهر، حيث انتشرت عبر وسائل إعلام بارزة صور لأطفال هزيلين في غزة، كثير منهم يعانون من أمراض سابقة، بهدف إظهار حجم الأزمة الإنسانية في القطاع. وقد ساهمت هذه الصور في دفع عدد من قادة الدول الغربية، الذين عادة ما يكونون قريبين من إسرائيل، إلى الانضمام للمبادرة الفرنسية المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية.
وفي تطور موازٍ، فشلت الضربة الإسرائيلية ضد قيادات "حماس" في الدوحة مطلع الشهر الجاري، مما دفع الدول الإسلامية إلى شن حملة خطابية موحدة ضد إسرائيل وصلت ذروتها خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم إعلان اعترافات بدولة فلسطين وتوجيه انتقادات حادة لإسرائيل بشأن عرقلة دخول المساعدات إلى القطاع.
من جهة أخرى، شكل ملف ضم أجزاء من الضفة الغربية مصدر توتر بين الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وكان يهدد استقرار الائتلاف السياسي الإسرائيلي، لكن البيان المشترك الصادر عن البيت الأبيض عقب لقاء ترامب ونتنياهو بدا أنه خفف من حدة هذه التوترات.
ويبرز في اللقاء الدور الدبلوماسي الشخصي للرئيس الأمريكي، الذي على الرغم من أسلوبه الاستعراضي وتصريحاته المثيرة للجدل، إلا أن خطته لغزة تبدو محورية. وتنص الخطة على إطلاق سراح جميع الرهائن في بداية الاتفاق، ثم نزع سلاح حماس تدريجياً، مع دعم شركاء إقليميين لحاكم جديد للقطاع لا ينتمي إلى حماس ولا إلى السلطة الفلسطينية.
ويشير التحليل إلى أن وحدة الصف النسبي خلف خطة ترامب، إلى جانب الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل، تجعل من غير المرجح أن ترفض "حماس" الخطة علناً، مع توقع محاولتها لكسب الوقت للحفاظ على جزء من سلاحها وبنيتها التنظيمية لضمان القدرة على إعادة تنظيم صفوفها مستقبلاً.
في المقابل، يُظهر موقف نتنياهو إدراكه لعدم وجود بدائل أفضل من الخطة الأمريكية، إذ تتيح له استعادة الرهائن وتحقيق أهداف الحرب المعلنة للقضاء على "حماس"، وفتح الطريق أمام اتفاقيات تطبيع جديدة مع دول إسلامية، قبل الانتخابات المقبلة، رغم أن هذا المسار قد يضعه في مواجهة مع أجنحة اليمين الإسرائيلي التي تطالب بخيارات أكثر تطرفاً تجاه غزة والفلسطينيين.
تؤكد هذه التطورات أن الملف الفلسطيني–الإسرائيلي يمر بمرحلة حرجة، تجمع بين الضغوط الإنسانية والإقليمية والدبلوماسية الدولية، وسط صراع داخلي إسرائيلي على السياسات المستقبلية تجاه غزة والضفة الغربية. وتبرز خطة ترامب كأداة استراتيجية قد تعيد تشكيل واقع السلطة في غزة، لكنها تضع الأطراف كافة أمام تحديات تنفيذية وسياسية كبيرة، مع احتمالات استمرار الاحتكاكات بين "حماس"، إسرائيل، والولايات المتحدة، على الرغم من الدعم الدولي الجزئي للخطوة الأمريكية.